اخبار السودان

المدنيين والعسكر وحل الأزمة في البلاد

المدنيين والعسكر وحل الأزمة في البلاد

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن أي فاعلية من أجل إيجاد حل لوقف الحرب الدائرة الآن، والخروج من الأزمة السياسية يقع على عاتق القوى التي تتحكم في الفعل الدائر الآن. لذلك يركز المجتمع الدولي ومنظمات الإقليمية مجهوداتهم من أجل وقف الحرب، مما يجعل الحوار محصوراً على القوات المسلحة وميليشيا الدعم، باعتبار أن الحرب تعيق أي عمل سياسي مناط به إنجاز أجندة سياسية في الواقع، ومن جانب آخر ستظل القوى السياسية هي على هامش الفعل، باعتبار أن القوى العسكرية من الجانبين وحدهما من يملك شروط وقف الحرب. وهذا واضح من خلال أجندة مفاوضات جدة. وفي الجانب الآخر للمشهد السياسي أن القوى الحزبية والمدنية متشظية ومنقسمة على نفسها، هذا الانقسام وعدم الاتفاق على أجندة مشتركة سوف يجعلها على هامش الفعل السياسي.

الملاحظ من مجريات الواقع: أن القيادات السياسية تنتظر ما تتمخض عنه مفاوضات جدة، لكي تعلق على مجريات العمل السياسي ومحاولة ربطه بالمفاوضات. وهذا يؤكد أن إدارة الإزمة محصورة على القيادات العسكرية، وحتى عندما تتوقف مفاوضات جدة تجد أن حديث القيادات يطالب الدولتين المشرفتين على المفاوضات أن تحث الجانبين لكي يواصلان المفاوضات. هذا يؤكد أن صناعة الحدث الذي يخلق أجندة الحوار محصورة في الجانبين العسكريين. الأمر الذي يجعل الحراك السياسي مقيد ولا يستطيع أن يتحرك إلا في حدود ضيقة جداً. وهذا يعود إلى أن حالة الانقسام في القوى المدنية يجعل حركتها هامشية لا تجني تأييداً واسعاً وسط المجتمع إلا في حدود ضيقة. ويعجز أن يتطور إلى فعل مركزي يمكن أن يكون له أثر فاعل في وقف الحرب.

القضية الأخرى الخطاب السياسي للميليشيا ومحاولة تقديم شعارات ومصطلحات لا تستطيع أن تقنع بها المواطن العادي، لذلك سوف تشوش على كل القوى السياسية، لأن الفعل السالب الذي يقع على المواطنين، وخاصة في إقليم دارفور لا يتناسب مع الشعارات والمصطلحات التي ترفعها الميليشيا، هذا التشويش يؤثر في الفاعلية السياسية التي تنادي بوقف الحرب.

إن القوى السياسية والمدنية لا تستطيع أن تحدث اختراقاً في الأزمة ومجريات الحرب، إلا إذا استطاعت أن تتوحد وفق أجندة وطنية، أي “مشروع سياسي متفق عليه” تحت راية وطنية جامعة، وأن تكون الدعوة لوقف الحرب مبنية على مشروع يؤسس للدولة الديمقراطية، وليس قاصراً على استلام السلطة.

إذا اتفقت القوى السياسية على تشكيل حكومة مدنية بكفاءات غير منتمية سياسياً، وتكون مهامها محصورة فقط في إعادة الإعمار وتحسين المعيشة، والترتيب لانتخابات عامة في البلاد أفضل لها من التنافس على استلام سلطة الفترة الانتقالية.

ويجب على سلطة الفترة الانتقالية أن تجري انتخابات النقابات العمالية والاتحادات المهنية، إلى جانب انتخابات المجالس المحلية لكي تدخل أغلبية الشعب السوداني في أجواء الديمقراطية وممارستها. هذا الفعل سوف يخلق وعياً جديداً في المجتمع، وسوف يتحول قطاع كبير من الشعب من مفاهيم الثورية وحالات الصراع الصفري إلى الشرعية القانونية، وهذه هي التي تشكل قاعدة العمل الديمقراطي المجتمعي.

إن الخلاف الذي خلق انقساماً في القوى المدنية هو الصراع على السلطة، فكل تحالف يعتقد هو المؤهل دون الآخرين إلى استلام السلطة وهندسة البلاد وفقاً لتصوره، وهذه القناعة السلطوية هي التي تحول الصراع من سياسي وفكري إلى صراع صفري لإبعاد الآخر ومحاولة تقييد حركته. ومثل هذا الصراع لا يؤسس لديمقراطية، بل يؤسس لسلطة شمولية لأن الذي سوف يفوز سوف يفكر في كيفية حماية سلطته من تغول الآخرين عليها.

أما أن تبتعد الأحزاب من دائرة صراع السلطة وتعمل من أجل توعية الجماهير وتحضير نفسها للانتخابات العامة سوف يساعد أن ينقل الصراع إلى صراع سياسي بأدوات ديمقراطية قائمة على الحوار والجدل الفكري. فهي مهمة تحتاج إلى المرونة وإدارك الواقع وتحدياته.

هذا يذكرني بقول الفيلسوف جون ستيورت ميل عن الذين يطلبون أن يكون لهم نفوذاً بين الناس واستقلالية في الشخصية وقوتها. يقول عنهم (إنهم محتاجين لشرطين الأول إطلاق الحرية والثاني تنويع المواقف) لأن الحرية وحركة الإبداع لا تتماشى مع تصلب الرأي وفرضه على الآخرين، بل تحتاج لمرونة في التعامل وخلط للألون حسب الحاجة لها. وللأسف بعض القيادات تريد احتكار الحرية وتجعلها مقيدة، وفي ذات الوقت تريد التصلب في الرأي، وأن يخضع الكل له، ورغم ذلك يريدون تمريرها بشعارات ديمقراطية لا تتوافق مع المسعى.

إن التدهور الذي حدث في الاقتصاد السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، أثر سلباً على الطبقة الوسطى التي كانت تقود عملية الاستنارة في المجتمع، ثم تحسن الاقتصاد في بدايات هذا القرن باستخراج البترول، حيث استطاعت الطبقة الوسطى أن تعيد بعض عافيتها، وظهر دورها بصورة كبيرة في الصحافة السودانية التي لعبت دوراً مقدراً في عملية توسيع مساحة الحرية رغم حالة الحصار الذي كان مضروباً عليها، والرقابة القبلية والبعدية عليها، لكنها أحدثت تغييراً بائناً في عملية الوعي السياسي والمجتمعي، ثم تراجعت الطبقة الوسطى بعد انفصال الجنوب وتدهور الاقتصاد، لذلك عجزت هذه الطبقة في إدارة الفترة الانتقالية بالصورة التي كان أن ترسخ فيها مبادئ الديمقراطية، والالتحام بصورة أوسع مع الشارع والرهان عليه. الآن مطلوب منها قراءة الواقع بعيداً عن حالة الشطط والبحث عن الأدوات التي تجعل الحوار ممكناً بهدف توحيد القوى المدنية لنجاح عملية التحول الديمقراطية، بدلاً عن السعي لاستلام السلطة. نسأل الله حسن البصيرة.

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *