اخبار المغرب

هكذا انعكس الإرث التعليمي للمستعمر الفرنسي على المغرب بعد الاستقلال

عادت قضية التعليم إلى واجهة النقاش الاجتماعي والسياسي في المغرب نهاية عام 2023. تلاميذ القطاع الخاص يدرسون وتلاميذ العمومي متوقفون ينتظرون أن يجلس الشركاء من وزارة ونقابات للوصول لاتفاق.

طال أمر هذه اللاعدالة وظهر أن هناك تعليما مزدوجا يسير بوتيرتين، واحد يمشي والآخر متعثر. وهذا ما يستدعي إلقاء نظرة على منبع هذه اللاعدالة التي عرضها باحث أمريكي أقام بالمغرب ودرس التعليم المغربي ووقف على سياسة فرنسا التعليمية (“حركة المدارس الحرة بالمغرب 19191970” للأمريكي جون جيمس ديمس Johon J.Damis).

يسجل الباحث الأمريكي المدقق أن فرنسا عملت على حرمان المغاربة من تعميم التعليم. وينقل عن إحدى الوثائق الفرنسية “لا ينبغي تعميم التعليم وفرضه بسخاء على كل من هب ودب مثل مادة الكينين. بل يتعين توفيره ووضعه رهن إشارة المسلمين، كما ينبغي تقديمه في جرعات صغيرة، مكافأة وتشريفا للأرستقراطية المحلية. فمن المفهوم، في رأي الأمة الغازية، أن شباب المدارس، المنتقى من أبناء الاعيان، ينبغي أن يصبح منبتا لإعداد موظفي الإدارة المحلية وصغار الأعوان في إدارتنا” (ص 23). وتشمل هذه الأرستقراطية أبناء القواد وأبناء اليهود المغاربة. وقد كان تلاميذ اليهود أكثر من التلاميذ المسلمين، رغم أن اليهود كانوا يمثلون عشرة في المائة فقط من سكان المغرب.

بالأرقام، قبل 1939 كان عدد المتمدرسين المغاربة يمثل 3 بالمائة من الأطفال المسلمين البالغين سن التمدرس، وبلغت النسبة 14 بالمائة، أي 187000 متمدرس من مجموع بلغ 000 360 1 طفل عام 1955 (مقابل نسبة تمدرس هي 90 بالمائة لدى اليهود المغاربة).

يجري الحديث هنا عن الطور الابتدائي فقط، أما التسجيل بالثانويات فلم يتعد أبدا ألفي تلميذ.

كان هناك 200 تلميذ مغربي مسلم فقط حصلوا على البكالوريا قبل 1939 و504 بعدها. أي أن 44 سنة من الاستعمار لم تمكن إلا 704 تلاميذ من الحصول على البكالوريا ضمنهم أربع تلميذات.

لم يشكل الأطفال المسلمون المغاربة أغلبية التلاميذ المسجلين بالمدارس العمومية إلا بعد 1947.

حين رحل الاستعمار عن المغرب ترك 30 مهندسا، 19 طبيبا، طبيبين للأسنان، 27 محاميا و6 صيادلة. وكان هناك عدد مماثل من المغاربة اليهود يمارسون هذه المهن (ص 109).

تم تنميط وعي المتمدرسين بشكل مضاد لتاريخ البلد، يقول جون جيمس ديمس: “يُرسّخُ في أذهان التلاميذ المغاربة بأن تاريخهم تاريخ فوضوي تافه، فينتهي بهم الأمر إلى التخرج من مدارس الحماية وقد انغرس فيهم شعور فطري بالنقص” (ص 25) لأنه يتم تصوير المغاربة كجهلة جبناء! وقد تم ترسيخ هذا التصور عبر التركيز على الفرنسية وتجميل تاريخ فرنسا، مع إهمال المواد الإسلامية واللغة العربية التي لم تكن حصتها تتعدى 11 بالمائة في المدن فقط، دون أن تدرس للتلاميذ في البوادي، ودون إجراء أي اختبار فيها.

لقد ترك الاستعمار مدارس قليلة وتعليما مهنيا وغير مسيس (ص 22)، مفرنسا ومشتتا (يضم عدة أنواع من التعليم، وبالتالي عزلت فرنسا المغاربة بعضهم عن بعض) صمم ليخدم مصلحة فرنسا. رغم كل هذا ينقل الكاتب: “اعتقد، بابتهاج، العديد من الناس بأنه ما إن تتم إزاحة الأجنبي المستغل من وضعيته التحكمية السابقة حتى يتأتى لحكومة المغرب المستقل حل كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، دون كبير عناء… بإقامة نظام تعليمي عربي وطني”.

تعليقا على هذا التفاؤل يختم الكاتب: “لم تخلف الحماية إرثا ثقيلا في أي مجال آخر مثلما خلفته في ميدان التعليم، لينزل بكل ثقله على كاهل حكام المغرب المستقل”.

يتيح كتاب جون جيمس ديمس إلقاء نظرة شاملة عن تاريخ نشأة المدرسة المغربية الحديثة وعن الإرث التعليمي الاستعماري، فكيف واجه مغرب الاستقلال هذا الإرث؟

الجواب: بإقرار المغرب المبادئ الأربعة كأساس لاستراتيجية التعليم: التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر.

بعد ستين سنة، ما الذي تحقق على صعيد القضاء على اللامساواة التعليمية؟

إن التعليم هو أحد عوامل المساواة الكبرى بين البشر، فهل صار متاحا لكل الأطفال المغاربة بنفس الشكل؟

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *