اخبار

هل من حلول للأزمة المالية؟

الأزمة المالية لدينا، من أصعب الأزمات الاقتصادية وأكثرها تعقيداً، نظراً لتشابك أسبابها الداخلية والخارجية، وقد ازدادت الأزمة تعقيداً مع حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وحرب الاستيطان والتطهير العرقي في الضفة الغربية. لا يوجد اقتصاد فلسطيني مستقل او شبه مستقل تاريخياً، حيث تم تدمير التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية وكبحها ومنعها لاحقاً لقطع الطريق على صيرورة تطور الكيانية الوطنية الى دولة.  يقول المؤرخ والباحث الفلسطيني يزيد صايغ في مجلده «الكفاح المسلح والبحث عن الدولة»: لم تسعَ (م.ت.ف) لجباية الموارد المالية من المجتمع الفلسطيني او لإحداث تحولات اجتماعية فيه. وشجع توفر الريع قيادة المنظمة على انتهاج نمط سياسي تسلطي وشعبي في آن واحد». والمقصود بـ (الريع) امكان استخدام الموارد المالية والمادية الأخرى المتأتية من المصادر الخارجية لغرض الرعاية النفعية الصريحة. مع حالة الصعود الوطني 1968 1993 كان الدعم المالي الخارجي لمنظمة التحرير وفصائلها هو المورد الأساسي الذي جرى الاعتماد عليه طوال الوقت، ولم تنجح تجربة تطوير موارد مستقلة من فائض الدعم، في إنشاء مساحة متنامية من الاعتماد على الذات، يحرر القرار السياسي من الثمن غير المباشر، ولاحقاً تحوّل الى ثمن مباشر للدعم المالي. اخفاق المنظمة بمختلف تنظيماتها يعود الى سوء إدارة وضيق أفق وفساد.

في البدء، مطلوب تعريف الأزمة المالية الفلسطينية  وأسبابها، فقد بلغت الديون المتراكمة والمستحقة على حكومة محمد مصطفى الجديدة 11 مليار دولار. ويمر الاقتصاد الفلسطيني في حالة انكماش تركت بصماتها القوية على حياة المواطنين. العجز في ميزانية الحكومة يعود الى  الانخفاض الحاد في الدعم الدولي والعربي وحجب أموال المقاصة «الضرائب». وقد بلغت الأزمة المالية أوجها في عجز الحكومة عن دفع رواتب كاملة لموظفي القطاع العام، التراجع الحاد نتج عن التآكل التدريجي في ركائز الموازنة الخمس للسلطة. وهي أموال الضرائب «المقاصة» التي تجبيها إسرائيل وتحولها للسلطة، والدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي، ودعم وقروض البنك الدولي، ودعم الولايات المتحدة، ودعم المملكة السعودية والجزائر. يعزو تقرير بعنوان التصدي للازمة المالية المتفاقمة للسلطة الفلسطينية (المرصد السياسي رقم 3643) تراجع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي عن دعم موازنة السلطة بتهمة مسؤولية السلطة الفلسطينية عن التحريض ضد إسرائيل في الكتب المدرسية. تهمة مصدرها حكومة نتنياهو ولم يتم تدقيقها من أطراف محايدة. التهمة الإسرائيلية تعتبر كل نقد للاستيطان والقمع والحصار الإسرائيلي والحديث عن انتهاكات ومجازر إسرائيلية سابقاً والآن يُعتبر تحريضاً، ويندرج تحت بند العداء للسامية، كما تُعتبر الرواية الفلسطينية بما في ذلك استعراض التاريخ الفلسطيني تحريضاً. إن اي تحريض في المناهج الفلسطينية لا يمكن مقارنته بالإنكار الإسرائيلي لوجود شعب فلسطيني له إسهامات ثقافية وفنية وأكاديمية وله حقوق مشروعة، كما تشير بالتفصيل الباحثة الإسرائيلية نوريت الحنان بيليد في كتابها بعنوان «الفلسطيني في الكتب المدرسية الإسرائيلية». ويعيد التقرير المذكور سبب وقف الدعم الأميركي للميزانية الفلسطينية الى قانون « تايلور فورس» الذي يحظر دعم رواتب ما أسماهم « بالإرهابيين» المسجونين ودفع رواتب لعائلات الشهداء الذين قتلتهم قوات الاحتلال الاسرائيلي. القانون صدر في العام 2018، وفي العام نفسه أقر الكنيست قانوناً شبيهاً بقانون تايلور فورس والذي يلزم الحكومة الإسرائيلية باقتطاع المبالغ التي تدفعها السلطة للاسرى وعائلات الشهداء من أموال المقاصة. السؤال لماذا كان الأميركيون والإسرائيليون يدفعون للسلطة منذ العام 1994 وحتى 2018 التي بدورها تدفع للأسرى وعائلات الشهداء. ولم يعترضوا على ذلك، وكان اتفاق أوسلو قد تضمّن إفراجاً عن كل الأسرى الفلسطينيين لكن دولة الاحتلال لم تفرج عن الذين قتلوا إسرائيليين. ويوضح التقرير لماذا أنهت المملكة السعودية دعمها لميزانية السلطة بالكامل منذ نيسان 2020، وفسرت مصادر السبب «بشعورها الملموس بعدم الامتنان للدعم الذي تقدمه للسلطة، وبسبب البيان الفلسطيني رداً على الاتفاقات الإبراهيمية الذي اتهم دول الخليج بخيانة القضية الفلسطينية».
دولة الاحتلال مسؤول أول عن الازمة الاقتصادية الحادة، يقول مؤيد عفانة في مقالة بعنوان «أربع حقائق عن الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية» : الاحتلال كعنصر رئيس في خلق الازمة الدائمة بسبب حرمان الشعب من موارده – أراض ومياه والتحكم في المعابر والحدود وحركة التجارة، وبسبب قرصنة أموال المقاصة. ويرى عفانة أن الأزمة بنيوية وهيكلية لا تُحل بإجراءات شكلية مؤقتة باتت لا تجدي نفعاً. ويحاول الذهاب الى الاختلالات، متوقفاً عند ما أسماه النزيف المتدفق في جسد الموازنة، نزيف صافي الإقراض، ونزيف التحويلات الطبية، ونزيف الرواتب وأشباه الرواتب، وأثمان الكهرباء والماء، واستفادة فئات مجتمعية من الموارد العامة على حساب فئات أخرى، واستمرار شراء الخدمات الصحية من خارج مرافق وزارة الصحة.
التقرير السابق الذكر يتوقف عند اختلالات أخرى، كفاتورة الأجور التي تبلغ نصف النفقات العامة للسلطة وهي نسبة تبلغ ضعف ما تنفقه الدولة المتوسطة على الاجور عالمياً. وقطاع الامن عرضة للتضخم باستخدام الواسطة والمحسوبية، حيث تضم قوات أمن السلطة 17200 ضابط و15000 مجند بنسبة ضابط واحد لاقل من جندي 0.9 مقارنة مع 4.7 في الجيش الاميركي. وثمة مشكلة في القاعدة الضريبية الفلسطينية، يقدر البنك الدولي أن 30% فقط من المطالبين بدفع الضرائب يدفعونها، وكذلك الأمر بالنسبة لتحصيل ضريبة القيمة المضافة التي تصل الى 9% من الناتج المحلي الاجمالي، هناك من يرفضون تقديم الفواتير، أو يقومون بتقليل قيمة شحناتهم، ما جعل السلطة غير قادرة على الوصول الى عائدات المقاصة المناسبة من إسرائيل.
هل يمكن القيام بإصلاحات تحد من تضخم الأجهزة، وتوقف النزيف المتدفق في جسد الموازنة، وتضع حداً للتهرب الوظيفي من قبل فئة عليا من التجار؟ سؤال برسم الحكومة الجديدة ووزير ماليتها، غير ان المستوى السياسي معني بمعالجة العلاقة مع الدول العربية، والقيود التي يفرضها الاحتلال عبر اتفاق باريس الاقتصادي، والقرصنة المالية. يوجد أسباب معلنة تقف وراء وقف الدعم، ولكن الأسباب غير المعلنة هي الأهم والأخطر، حيث يتم توظيفها في فرض مواقف وإملاءات. الأسباب المعلنة وغير المعلنة لوقف الدعم لا تبرر الفوضى والترهل الإداري والمالي الذي آن له ان يتوقف.
 أختم بخبر سعيد يقول إن الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تتعهدان بتقديم 2 مليار دولار لإعادة إعمار وتعافٍ مبكر لقطاع غزة وتعزيز التدخلات الإنسانية التي ستقوم بتنفيذ عدد من المشاريع والبرامج خلال العامين 2425 تحت إشراف وتنفيذ مؤسسات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية العربية والإسلامية والمنظمات غير الحكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *