اخبار المغرب

الراحل بوسلهام الكط .. مؤرخ الطقوس الاحتفالية والظواهر التراثية الغرباوية

مؤرخ لتراث منطقة الغرب بالبلاد وباحث في الفلسفة والفكر الإسلامي والتربية والتعليم فقده المشهد الثقافي المغربي، في سن الواحدة والسبعين.

وفضلا عن سلسلة “من وحي التراث الغرباوي”، اهتمت كتابات فقيد مدينة مشرع بلقصيري بوضعية التعليم بالبلاد، والتاريخ العربي، ومنهج الإبداع والنقد عبر السخرية، والسياسة والتصوف، والنفاق باعتباره “فلسفة عصرنا المعاصر”، وإشكالية الوحدة والانقسام في الفكرين العربي الإسلامي والغربي.

وفي تصريح لهسبريس، قال الباحث الأكاديمي محمد أوحدو، إن بوسلهام الكط “كان ظاهرة كتابية بامتياز، ذا عشق أصيل للكتابة، وارتباط بها، مما جعله يترك الكثير من المؤلفات القيمة التي أغنت الساحة الوطنية بالأساس (…) وتشكل مصدر إلهام، ومرجعا أصيلا بالنسبة للعديد من الطلبة والباحثين المرتبطين بتراث منطقة الغرب وخصوصيتها”، فقد كان الراحل “أول من نفض الغبار عن منطقة الغرب من خلال أهازيجها وتراثها وفولكلورها وظواهرها الشعبية”.

وأضاف أوحدو أن الفقيد اهتم كثيرا بـ”المجال التراثي، وخاصة التراث اللامادي بمنطقة الغرب”، و”شكلت سنة 1998 بالضبط انطلاقته الأولى بوصفه كاتبا مغربيا حمل معه الهموم التعليمية والتربوية (…) حيث كانت باكورة أعماله كتابه (قراءات في مجال التربية والتعليم على المستوى السياسي والإداري)، الذي لخص فيه تجربته كمدرس حمل معه انشغالا تربويا حول واقع المدرسة المغربية والآليات التي تحكمها”.

وتابع الشاهد: “توالت بعد ذلك سلسلة من أعمال الراحل في حقول مختلفة، منها الفلسفة، فهو من جيل تتلمذ على يد فطاحلتها بالمغرب من أمثال محمد عابد الجابري وسالم يفوت، وكان أثرهم كبيرا على إنتاجاته الفكرية والتراثية المرتبطة بالفكر العربي والإسلامي، فضلا عما عرف عنه من مشاركات، ومقالات بين الفينة والأخرى في دوريات عربية وجرائد وطنية كـ(الاتحاد الاشتراكي) و(البيان) و(العلم)”، ثم سلسلة من الحلقات في “إذاعة طنجة” حول التراث الغرباوي، مع الصحافي البارز الراحل خالد مشبال.

وواصل المتحدث: “أعقبت ذلك سلسلة من الأعمال المتعلقة بالمجال الأدبي، خاصة أدب السجون، ثم كانت البداية الأولى، وهي مرحلة عايشتُها من خلال النقاشات التي كنا نجريها، في التعاطي مع التراث المحلي، وكنتُ أسجل عليه غياب مجموعة من الكتابات عن منطقة الغرب، وبحكم توفره على رصيد من المعلومات والمعارف المرتبطة بمجال منطقة بلقصيري وآثارها والكثير من الطقوس الاحتفالية والظواهر التراثية الشعبية، كان هذا المنفذ للمرحوم بداية حقيقية للانشغال بتراث المنطقة”.

هكذا خاض الباحث الراحل “هذه التجربة الإثنوغرافية، وانفتح على ما يمكن أن يشكل تَأريخا أوليا للتراث المحلي لمنطقة الغرب، وهو ما تحقق من خلال كتابه (من وحي التراث الغرباوي) الذي شكل في نسخته الأولى البداية الفعلية للكتابة حول المنطقة، وتلته سلسلة من الإصدارات والأجزاء المرتبطة بمحاولة النبش في هذا التراث، هي منجز أنثروبولوجي أساسا، يصنف في خانة الكتابة التراثية المرتبطة بالتراث اللامادي لمنطقة الغرب”، يورد محمد أوحدو.

أما الناقد محمد البحراوي فقال إن الراحل “إنسان الحوار والفكر المتنور، الذي كان يتكلم ويستمع بحكمة. متواضع، خدوم، يحب الجميع ولا يحب الظهور”، وكان طيلة السنوات التي عرفه فيها “الكاتبَ والباحث والمفكر، والإنسان الخلوق الطيب، المؤمن بالقضايا العادلة والإنسانية (…) وهو ما نلمسه في نقاشه الهادئ، وإصغائه للآخر، وإيمانه بالاختلاف في كتاباته ومعاملاته”.

عبد السلام الشرقي، باحث في الفكر الإسلامي، ذكر من جهته أن الكط “قامة فكرية متميزة في مشرع بلقصيري خاصة، والمغرب عامة، بمساهمته الفكرية والثقافية في المجال الثقافي المغربي، بداية من (من وحي التراث الغرباوي)، مرورا بـ(نحن والفكر الإسلامي)، وموتُه خسارة لمدينة المشرع وللمغرب؛ فقد كان باحثا ألمعيا، يحمل هما ثقافيا وفكريا، مما جعله لا يفارق القراءة والكتابة يوميا”.

ثم زاد: “لمست هذا فيه لمدة ثلاثين سنة، فقد كان مهوسا بالنقاش، يعرف أسس الحوار، ويحترم مبادئه الفكرية والنفسية والأخلاقية، ولا تفارقه الابتسامة الجميلة وهو يناقشك، ويعكس حب الوطن؛ يتجاوَز ويصفح ويعفو، ويغار على معالي الأمور ويكره سفاسفها، ويحب الثقافة البانية ويبغض التفاهة التي انتشرت مع الأسف في واقعنا بصورة مزرية، وقدم فكرا ملتزما ومسؤولا”.

محمد بنعياد، أستاذ زائر بكلية علوم التربية بالرباط باحث مهتم بالدراسات الدينية المقارنة، تحدث عن بوسلهام الكط “المفكر المميز، والباحث ذي القلم السيال، الذي ترك لنا تراثا فكريا جديرا بالاحتفاء، والتفتيش، والإبراز، للناس وللطلبة الباحثين. وهو تراث ألهم بكتاباته الأبحاث في منطقة الغرب، وأغنى الساحة الفكرية المغربية، بالحديث عن المنطقة التي ساهم في إبرازها، ودخائِرها، ونفائسها، وعوائدها، وطقوسها، وإنسانها، وتراثها اللامادي”.

مدينة “مَشرَع ابنِ القُصيري”، كما كان يحلو للباحث الراحل نُطقها، كان يسميها “المدينة المهمشة”، لكن أسهمت، وفق بنعياد، كتابات الكط “في إعادة الاعتبار لتاريخها”، علما أنه قد ألم في كتاباته بميادين فكرية شتى، منها “المجال المدرسي، والتنظير فيه، والاعتناء بالدرس الفلسفي وإبرازه، والتأكيد عليه، ووضع لبناته، وإنعاش المحادثة فيه، والانتصار للدرس الفلسفي وجاذبيته”.

ثم أردف قائلا: “لقد اشتغل على مفاهيم (العودة) و(فلسفة العودة)؛ أي كيف نعود إلى أشيائنا الجميلة، وكيف ننظر إلى نفائسها، بالاعتبار والاعتداد، وكيف نقيم شروط تواصلنا مع أشيائنا، بالعودة إليها والإقامة فيها وحسن المحادثة فيها. كما اشتغل أيضا على مفهوم (الوحدة) الذي استقاه من التراث العربي الإسلامي، فقد كان الإسلام، ديننا الحنيف، داعيا إلى الوحدة، نابذا للفرقة والانقسام؛ ولذلك وجدنا أستاذنا مدافعا عن الفكر الذي يجمع، ولا ينفّر أو يقسّم أو يشتّت، وكيف يمكن أن يكون الفكر الإنساني جامعا للحمة الإنسانية، وينتصر للمصير الإنساني، انتصارا لإنسانية الإنسان، والقيم الجمعاء؛ قيم الخير”.

وأجمل بعباد قائلا في ختام تصريحه: “ترك بوسلهام الكط تراثا فكريا جديرا بالاحتفاء، وينبغي علينا تأسيس فلسفة العودة مع تراثه، الزّخّار، المليء بالنفائس، وإعادة الاعتبار إليه، والاستمرار في المباحثة فيه، وتأكيده للناشئة، لتعلم الأجيال القادمة بأن هناك أستاذا أبدع وأسهم بكتاباته، فكان قلما سيالا مبدعا جديرا بالاحتفاء والتذكر، إتماما وتواصلا، كما آمن هو بأنه لا بد من أن نستمر ونعيش بما هو جميل وننتصر لكل ما هو جميل”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *