اخبار المغرب

ما دور المملكة المغربية في نشر اللغة العربية في إفريقيا جنوب الصحراء؟

كشف الباحث في الشؤون الإفريقية محمد الأمين سوادغو في مقال خص به جريدة “العمق” عن دور المملكة المغربية في نشر اللغة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء.

                                   الكاتب محمد الأمين سوادغو

وقسم الكاتب البوركينابي فترة نهوض تعليم اللُّغة العَربيَّة وآدابها بالشَّكل المَنهجي الأكاديمي المُنظم في أفريقيا جنوب الصَّحراء إلى مَرحَلتَيْنِ رَئيسِتَين، أولاهما “مرحلة دخول الإسلام في غرب أفريقيا إلى القرن العشرين وبالتحديد عام 1980″، وثانيهما “مرحلة ما بعد 1980 إلى القرن الواحد والعشرين”.

وقال إن بعض الباحثين أو المهتمين عن تاريخ ودور المدارس الإسلامية في التَّأصيل العلمي في أفريقيا لا يدركون أنَّ إحدى محركات عجلة انتشار اللّغة العربيَّة في أفريقيا الحديثة التي عزّزت قدرات الأطفال على تعلم اللّغة العربيّة واكتساب المَعرفة هي بعض الكُتب المملكة المغربيّة.

وأشار ضمن مقاله إلى دور سلسلة كُتب المملكة المغربيَّة في صقل وتقوية الملكة اللّغويَّة للطفل الأفريقي المُسلم في غرب أفريقيا خلال المرحلة الثانية التي وصفها بـ«المرحلة الذَّهبية للمدارس الإسلامية في غرب أفريقيا».

وقال محمد الأمين سوادغو إن عددا من المدراس الإسلامية في غرب أفريقيا وغيرها شهجت قَفزةً نوعية، وتطوّرت المناهج المدرسية بوصول كُتب لُغويّة قيمة من المملكة الغربية الشقيقة، المملكة التي تربطها آواصر الأخوة الدينية المتينة بينها وسكان غرب أفريقيا، تمتد ما قبل عصر البَطلَيْن الفاتحين عبد الله بن ياسين الجزولي الصنهاجي المغربي، ويوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي المغربي رحمها الله وإلى إنشاء دولة الأدارسة، وتأثير سكان المنطقة بالمعمار المغربي الإسلامي الأنيق، وغيرها من المجالات المهمة التي يجهلها كثير مِن الناس في أفريقيا التي تعبّر عن عُمق العلاقة بين المَغرب القديمة والحديثة مع مسلمي غرب أفريقيا المسلمة، وفق تعبيره.

ولفت صاحب المقال إلى دور كُتبٍ لُغوية تربوية مغربية في نشر اللغة العربية والعلوم العربية الإسلامية في غرب أفريقيا ، حيث يمثل العصر الذهبي لتعلم اللغة العربية في غرب أفريقيا، كما لها البَصمة الواضحة في تربية الناشئة وبناء القاعدة الصلبة للأطفال، وتخرج بها معظم دكاترة أفريقيا وجهابذتها وفرسان اللّغة والأدب في غرب أفريقيا اليومَ.

وأشار أيضا إلى أن «سلسلة التّلاوة العربيّة للمدارس المَغربيّة والأفريقيّة» ألفت مِن مجموعة فقهاء التربيّة المغربيّة، ونشرت مِن دار الكتاب دار البيضاء بين 19811982، وهي خمسة أجزاء، اسم جزء الأوّل « الجديد في التّلاوة العربيّة للمدراس المَغربيّة والأفريقيّة» ومكتوب فوق اسمها على غلاف الكتاب «قرّر تدريس هذا الكتاب في كل من السنغال وموريتانيا ومالي وساحل العاج وغينيا» وهو نفس الشّيء في الجزء الثّاني والثّالث والرّابع والخامس.

وقال: “يَتَّفق كل مُطّلع واسعٍ مُنصِفٍ لتاريخ الإسلام واللّغة العربيّة في غرب أفريقيا أنّ معظم الدّكاترة والأكاديميين الأفارقة المُستعربين المشهورين اليومَ في أفريقيا بعامّة وغربها بخاصَّة، وأصحاب المؤلفات الحديثة القيمة من أبناء منطقة غرب أفريقيا في جميع الفنون العربية والاسلامية إضافة إلى أصحاب المراكز والمؤسسات التعليمية من مدراس وكليات وجامعات نَهلوا مِن معينٍ هذه الكُتب المَغربيّة التي كانت منتشرة في جميع مدراس غرب أفريقيا، ومنها تعلم الأطفال تكوين الجُملة العربيَّة بالطريقة الصَّحيحة، كُتبٌ تقوى مَلكة المرحلة الأولى الحساسة لتعليم الطفل وهي «المرحلة الابتدائية»، كُتبٌ تساعد أطفال الأفارقة على تعلم المُفردات والقواعد بشكلٍ تدريجيٍ، وتعزّز قُدراتهم القِرائيَّة والسَّمعيَّة بطُرُقٍ مُمتعةٍ ومبسطة.

وهذا نص المقال كاملا

دور المملكة المغربية في نشر اللغة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء

      هناك حَلقة مَفقودة لدى معظم مَن يبحث عن عوامل انتشار اللّغة العربيّة العمود الفقري للإسلام بهذا النَّمط والسُّرعة الرَّهيبة في غرب أفريقيا، عندما تقرأ أطروحاتهم العِلميَّة الفَرديَّة أو الجماعيَّة أو الجامعيَّة الأكاديميَّة وفي الحوليات المحكمة ترى غياب ولو بإشارةٍ عن دور المملكة المغربيَّة في هذا الموضوع، لا يُدرك بعض الباحثين أو المهتمين عن تاريخ ودور المدارس الإسلامية في التَّأصيل العلمي في أفريقيا أنَّ إحدى محركات عجلة انتشار اللّغة العربيَّة في أفريقيا الحديثة التي عزّزت قدرات الأطفال على تعلم اللّغة العربيّة واكتساب المَعرفة هي بعض الكُتب المملكة المغربيّة، فرأيتُ أنّه مِن الأهمية بمكانٍ كتابة هذا المقال التَّوضيحي المركَّز والمُلخَّص لتنبيه الغافلين وإيقاظ المهتمين عن دور الكُتب المملكة المغربيّة في تكوين الناشئة وتعليمهم مبادئ اللّغة العربيّة التي كوّنت أجيالاً ذَهبيَّة في غرب أفريقيا، نشروا الإسلام واللّغة العربيّة في جميع أنحاء منطقة غرب أفريقيا، يصعب إيجاد أمثالهم.

لقد طرق الإسلام ومعها اللّغة العربيّة وعلومها أبواب سكان منطقة غرب أفريقيا أو منطقة جنوب الصحراء في وقتٍ مُبكر، انتشر فيها منذ 46هـ، وتأسست فيها خمس عشرة مملكة إسلامية كُبرى وقويَّة، وأصبح الإسلام دين أغلبية السُّكان فيها، وكان للكتاتيب القرآنية والمحاظر العلمية دور في نشر اللّغة العربيّة والعلوم الإسلامية بين سُكانها، وأصبحت قارة أفريقيا أوّل قارة في العالم أغلب سكانها مسلمون.

وكان لبعض شيوخ الأفارقة القدامي منذ دخول الإسلام في منطقة غرب أفريقيا إسهامات كبيرة في تطوير ونشر الإسلام واللّغة العربيّة يمتد لأكثر مِن ألف عام، وتمّ توثيق ذلك من خلال التّراث العلمي الضخم الثمين في مدينة تمبكتو الأثريّة التي كانت قَلعة علميَّة وثقافية تركت بَصمة واضحة عن جُهود الأفارقة في نشر الإسلام واللّغة الغربيّة في غرب أفريقيا.

ويمكن تقسيم فترة نهوض تعليم اللُّغة العَربيَّة وآدابها بالشَّكل المَنهجي الأكاديمي المُنظم في أفريقيا جنوب الصَّحراء إلى مَرحَلتَيْنِ رَئيسِتَين:

1 ـ «مرحلة دخول الإسلام في غرب أفريقيا إلى القرن العشرين وبالتحديد عام 1980»

2 ـ «مرحلة ما بعد 1980 إلى القرن الواحد والعشرين».

لن أتطرَّق هنا إلى المرحلة الأولى التي أشبعت دراسات منشورة، كُتب عن انتشار الإسلام في منطقة جنوب الصحراء أو غرب أفريقيا حسب اطَّلاعي الشَّخصي والتي في مكتبتي الأفريقيَّة الخاصَّة ما لا يقل عن 200 كتاب مطبوع، فضلاً عن المقالات العِلميّة المنشورة في المجلات والدَّوريات العِلميّة المُحكَمة.

«مرحلة ما بعد 1980 إلى القرن الواحد والعشرين»:

سلسلة كُتب المملكة المغربيَّة ودورها في صقل وتقوية الملكة اللّغويَّة للطفل الأفريقي المُسلم في غرب أفريقيا «المرحلة الذَّهبية للمدارس الإسلامية في غرب أفريقيا»

انتشرت المَدارس الإسلامية في غرب أفريقيا مع بداية القرن العشرين، وانتشرت بشكلٍ سريعٍ  في رُبوع المنطقة، وواجهت تحديات كثيرة، منها منهجيَّة وماديَّة، كانت تفتقر معظمها إلى مَبانٍ جيّدةٍ ومقاعد مناسبة، وأشدّ مِن تلك كلها افتقارها إلى مناهج تعليمية رَصينة ثابتة، واجهت بعضها الاستعمار الغربي الفرنسي أمثال مدارس القرآنية في تمبكتو  و«مدرسة الفلاح» للشيخ محمود باه رحمه الله في مدينة كَايْ دولة مالي عام 1946، وكانت في السنغال مدرسة عريقة  باسم «مدرسة بوكي دياو» شمال البلاد، بُنيت عام 1981 على يد الشيخ محمد علي أمبا رحمه الله، ثم «معهد دكار الإسلامي» الذي أسس عام 1973 في عهد الرئيس الأوَّل للدولة ليوبولد سدار سِنغُور، وكانت تابعة لوزارة الثقافة حتى 2002،  ومن أوائل المدارس الاسلامية في بوركينافاسو «مدرسة السلام» التي أسست عام 1957 قبل استقلال البلد، على يد الشيخ  محمود سانوغو رحمه الله  في بوبوجولاسو بوركينافاسو، ومن أقدم المدراس الإسلامية في ساحل العاج «مدرسة دار الحديث» التي تأسست عام 1961 على يد الشيخ موري موسى كمارا  رحمه الله، وقبلها «مدرسة التهذيب الإسلامي» في أبيدجان التي تأسست عام 1956 على يد الامام أحمد تيجان باه رحمه الله، هذه عَيّنة قبضتُها من بعض المدارس الإسلامية في غرب أفريقيا وغيرها الكثير التي كانت تعاني من الأمريْن المنهج والبُنية التَّحتيَّة.

وشهدت جميع المدراس الإسلامية المذكورة في غرب أفريقيا وغيرها قَفزةً نوعية سميتُها بالعصر الذهبي للمدراس العربية الإسلامية في غرب أفريقيا، وتطوّرت المناهج المدرسية بوصول كُتب لُغويّة قيمة من المملكة الغربية الشقيقة، المملكة التي تربطها آواصر الأخوة الدينية المتينة بينها وسكان غرب أفريقيا، تمتد ما قبل عصر البَطلَيْن الفاتحين عبد الله بن ياسين الجزولي الصنهاجي المغربي، ويوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي المغربي رحمها الله وإلى إنشاء دولة الأدارسة، وتأثير سكان المنطقة بالمعمار المغربي الإسلامي الأنيق، وغيرها من المجالات المهمة التي لم تجد اهتماما كبيراً لدى كُتَّاب الأفارقة، وسوف أخصص له بإذن الله مقالاً خاصاً؛ لأنَّه ضمن الجوانب التي يجهلها كثير مِن الناس في أفريقيا التي تعبّر عن عُمق العلاقة بين المَغرب القديمة والحديثة مع مسلمي غرب أفريقيا المسلمة.

ركزتُ على غرب أفريقيا أو منطقة جنوب الصحراء في هذا المقال العلمي المركّز؛ لأنّها منطقة مسلمة، أغلب سكانها مسلمون، وأكثر مناطق أفريقيا إسلاماً ونُطقاً باللّغة العربيّة بعد شمال القارة، ودخل الإسلام في وسط أفريقيا وجنوبها انطلاقاً من منطقة غرب أفريقيا، وإلى اليوم يقود جحافل الدعوة الإسلامية في تلك المناطق دعاة من أبناء غرب أفريقيا، أسسوا مدارس ومراكز إسلامية ودعوية فيها.

وكان لكُتبٍ لُغوية تربوية مغربية دور مهم في نشر اللغة العربية والعلوم العربية الإسلامية في غرب أفريقيا الكثيرة، حيث يمثل العمر الذهبي لتعلم اللغة العربية في غرب أفريقيا، ولها البَصمة الواضحة في تربية الناشئة وبناء القاعدة الصلبة للأطفال، وتخرج بها معظم دكاترة أفريقيا وجهابذتها وفرسان اللّغة والأدب في غرب أفريقيا اليومَ، وهي «سلسلة التّلاوة العربيّة  للمدارس المَغربيّة والأفريقيّة» التي ألفت مِن مجموعة فقهاء التربيّة المغربيّة، ونشرت مِن دار الكتاب بالدار البيضاء بين 19811982، وهي خمسة أجزاء، اسم جزء الأوّل « الجديد في التّلاوة العربيّة للمدراس المَغربيّة والأفريقيّة» ومكتوب فوق اسمها على غلاف الكتاب «قرّر تدريس هذا الكتاب في  كل من السنغال وموريتانيا ومالي وساحل العاج وغينيا» وهو نفس الشّيء في الجزء الثّاني والثّالث والرّابع والخامس.

يَتَّفق كل مُطّلع واسعٍ مُنصِفٍ لتاريخ الإسلام واللّغة العربيّة في غرب أفريقيا أنّ معظم الدّكاترة والأكاديميين الأفارقة المُستعربين المشهورين اليومَ في أفريقيا بعامّة وغربها بخاصَّة، وأصحاب المؤلفات الحديثة القيمة من أبناء منطقة غرب أفريقيا في جميع الفنون العربية والإسلامية، إضافة إلى أصحاب المراكز والمؤسسات التعليمية من مدراس وكليات وجامعات نَهلوا مِن معين هذه الكُتب المَغربيّة التي كانت منتشرة في جميع مدراس غرب أفريقيا، ومنها تعلم الأطفال تكوين الجُملة العربيَّة بالطريقة الصَّحيحة، كُتبٌ تقوي مَلكة المرحلة الأولى الحساسة لتعليم الطفل وهي «المرحلة الابتدائية»، كُتبٌ تساعد أطفال الأفارقة على تعلم المُفردات والقواعد بشكلٍ تدريجيٍ، وتعزّز قُدراتهم القِرائيَّة والسَّمعيَّة بطُرُقٍ مُمتعةٍ ومبسطة.

إنَّ منهج ومنهجيَّة هذه الكُتب المَغربيَّة اللّغويَّة التَّربويَّة لطلاب المرحلة الابتدائية التي أسست الأرضية المَعرفية الصلبة للطفل الأفريقي المسلم في غرب أفريقي ممتازة للغاية، رائعة في منهجها ودقيقة في منهجيتها، يبدأ الجزء الأوّل بتعليم الطفل كيف ينطق ويرسم الحرف العربي بالطريقة الصحيحة والسليمة وبالتَّدرج، يتعلم القراءة الموجهة، والمحادثة المركزة، والأناشيد المصطلحة باللغة العربية لتقوية قُدراتهم السمعية والنطقية بطرق مشوّقة، وتنتقل معه إلى الجزء الثاني بالتدرج إلى تعلم القراءة الجيدة بأسلوب سلس وكلمات مختارة بعِناية عالية يرغب الطفل في القراءة ويفتح له آفاقا واسعة تنمي قُدراته بسُرعةٍ ويُسرٍ، إضافة إلى تلك الفقرات والأناشيد الجميلة التي تتخلل الدروس، وأغلبنا لا زال يتذكر تلك الأناشيد الجميلة التي تعلمناها منذ عام 1984 إلى اليوم.

إضافة إلى الجانب المَعرفي التأسيسي للطفل الأفريقي المسلم الذي تثريه هذه الكُتب المغربيَّة القيّمة يتعرّف الطفل الأفريقي من خلال أجزائها على تاريخ المَغرب ومُدنها وشوارعها وأزقتها الجميلة ومعالمها التاريخية وعن بعض الشَّخصيات التَّاريخية المغربيّة، ذكرتْ في ثنايا أجزاء سلسلة التلاوة الخمس، ينقل لك جمال وروعة المدن المغربية الرائعة وشخصياتها التاريخية الوطنية الرَّمزيَّة، حيث ترى الأطفال المغاربة يمرحون في الأرصفة والحدائق ذات جمال وبَهحَةٍ، على سبيل مثال نجد في كتاب «الجديد في التَّلاوة للمدارس المغربيَّة والأفريقيَّة»، الجزء الثالث، صفحة 16، تحدث عن شخصية مغربية مشهورة، قال:  «علال بن عبد الله، هو بطل مغربي من أبطالنا، قدم حياته فداءً للوطن، بعد أن نفتْ فرنسا جلالة محمّد الخامس، ووضعت بدله على  العرش محمدا بن عرفة، كان علال بن عبد الله، يسكن بالرباط في دار متواضعة، وكان له زوجة وأطفال صغار» وفي نفس الجزء صفحة 26، ترى صورة جميلة لمدينة الفاس والدار البيضاء، ورد فيه «من فاس إلى الدار البيضاء، عاد توفيق إلى مدينة فاس، بعد أن قضى عطلة الصيف في الدار البيضاء، برفقة ابن عمه خالد» والأمثلة كثيرة ومتعددة في أجزاء السلسلة.

وتزرع هذه السِّلسلة المغربيَّة الذهبية في نفوس الأطفال حبّ الإسلام ووحدانية الله، مثلا نرى في الجزء الثَّاني من كتاب «الجديد في التلاوة العربيَّة للمدراس المغربيَّة والأفريقيَّة» جزء الثاني صفحة22، يقول النشيد:

«مَن خلقَ الإنسانا* يُحيِ به الأزمانا؟

مَن أخصب البستانا* وأزهر الأعضانا؟

الله ربّ العالمين

مَن أنزل الأمطارا*فأنبت الأشجارا.

مَن كوَّن الأزهارا* وأنضج الأثمارا؟

الله رب العالمين

سبحانه ربٌّ قدير* ربُّ الغني والفقير.

والكل فيه يَستجير. * وحسبه خيرُ النصير

الله رب العالمين

بأمره بد القمر* والنور في الدنيا انتشر

وهو الذي بعلمه* يعرف ما يُخفي البشر

الله رب العالمين».

حفظنا هذه الأناشيد منذ صغرنا ولم ننسها إلى الآن، وهي عَينة مِن جُملة الموضوعات المهمَّة في هذه السلسلة العلميَّة التَّربويَّة الذَّهبية الرَّاقية، «التَّلاوة العربيَّة من المغرب، والانشاء الصحيح مِن لبنان، ونفائس العِبر من تونس، وفي المرحلة التمهيدية معلم القراءة من مصر هذه الكتب المدرسية وغيرها بأجزائها  قد حضنت طفولة جيل عريض من المستعربين في غرب إفريقيا وترعرعت عليها ذائقتهم اللغوية والأدبية الأولية».

ومع هذه القيمة العلميَّة والتَّربويَّة التي ذكرتُ بعضها، إلاَّ أننا نتفاجأ بالتَّالي:

1 ـ تغيير اسم السلسلة التي كانت «الجديد في التلاوة العربيَّة للمدراس المغربيَّة والأفريقيَّة» في جميع أجزائها لتصبح الآن «التلاوة الأفريقية للمدراس العربيَّة الأفريقيَّة» مع إبقاء عبارة «قرّر تدريس هذا الكتاب في  كل من السنغال وموريتانيا ومالي وساحل العاج وغينيا» عليها، تُباع حالياً في معظم المكتبات العربية والإسلامية في غرب أفريقيا بهذه الصيغة وهي مصورة ذات جودة رديئة لا تكاد ترى جيدا بعض صورها بشكل جيد مع وجود أجهزة طباعة حديثة ذات جودة عالية، ربما تم تغييرها في المغرب ولا عيب في تعديل اسمها حسب رأيي المتواضع.

2 ـ عُزوف بعض المدراس الإسلامية في غرب أفريقيا عن هذه الكُتب اللّغويّة التربوية المَرموقة واتخاذ بدلها كتباً تربويَّة من تأليف بعض شباب المنطقة أو مِن بلدان عربيَّة أخرى، ولكن مع الأسف الشديد أقل قيمة عِلمية وتربوية للأطفال، لا تنمي قدرات الأطفال العلمية واللغوية، ومن النقد غير الموضوعي والعلمي الذي وُجّه إلى هذه السلسلة الذهبية أنها طويلة وثقيلة على الأطفال، وأنها تعلم الأطفال معالم المدن المغربية على حساب بلدانهم، وهو كلام باطل، فالتدريب الجيد يحتاج إلى ثقل المدروس؛ لأن اللغة العربية ليست وسيلة تواصل فحسب وإنما هي مصدر أساسي لتعزيز الثقافة الإسلامية وتشكيل نمو شخصية الطفل الإسلامية في مرحلة الطفولة المبكرة.

3 ـ تساعد «سلسلة التلاوة العربيَّة المغربيَّة» في إثراء المحصول اللّغوي لدى الناشئة في منطقة جنوب الصَّحراء، كما تساعد في تنمية المهارات اللّغويّة الأساسية الأربع لدى أطفال سكان غرب أفريقيا، وهي مهارات الاستماع والقراءة والتّحدث والكتابة، يبدأ الجزء الأوّل من السلسلة بتعلم هذه المهارات الأربع، يوصل الطفل الأفريقي المسلم إلى التعبير العربي الفصيح بأسلوبٍ عربيٍ فصيحٍ وبمنهجٍ عربيٍ فصيحٍ.

4 ـ ترجم بعض المؤسسات التعليمية في غرب أفريقيا بطلب من بعض الحكومات الأفريقية كتب المطالعة والتلاوة الحكومية الفرنسية إلى العربية ووضعها مكان هذه الكتب التربوية المغربية، ونقلوا مساوِئ كثيرة إلى الناشئة، منها نقل طقوس غير المسلمين وأسمائهم إلى أطفال المسلمين، وهي بالجملة كُتبٌ رَديئة في مادّتها العلميّة ومناهجها التّربويّة.

5 ـ أثرّ إبعاد هذه السّلسلة العِلمية المغربية من بعض المؤسسات التّعلمية الأفريقية في غرب أفريقيا في هذه الفترة على مستوى الأطفال الأفارقة، نزل مستواهم العلمي إلى الحضيض، وتركت سلبيات على مستوى الشباب في المراحل التالية، يُلاحظ ذلك بوُضوحٍ من خلال هشّاشة المستوى لدى التلاميذ الثانويات في المدراس الإسلامية في غرب أفريقيا، والسبب الأول يعود إلى ضعف المادة العلمية التي درسوها في المرحلة الابتدائية، ولا شكّ أنّ ضعف الأسس يقود إلى سقوط المبنى.

6 ـ ولازالتْ هناك مدراس إسلامية أفريقية متمسكة بهذه الكُتب التربويّة المغربيّة القيمة، لكنّها تعاني من التّهميش والتّهديد لدى دعاة تجديد المناهج الدّراسية وأفْرقتها في المدارس الإسلامية في غرب أفريقيا.

أدعو إلى إعادة دراسة هذه السلسلة المغربية الذهبية وإخراجها بحلّة واضحة، وحثّ المدارس الإسلامية الأفريقية إلى تبنيها، ولا مانع من إضافة كتب أخرى إليها؛ فتعليم اللغة العربية التي هي سفيرة التراث الإسلامي والديني والقيمي النبيل واجب إسلامي، ليست مجرد وسيلة التواصل بين الأفارقة فحسب كما أسلفتُ وإنما هي مصدر تعزيز الهوية الإسلامية ولغة القرآن الكريم والعبادة، لعل الفترة الذهبية تعود مجدداً وتحيي المدارس الإسلامية الأفريقية من جديد.

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *