اخبار المغرب

باحثون جامعيون إسبان يقدمون تجربة إقليم كاطالانيا في محاربة الهدر المدرسي

قدم باحثون جامعيون إسبان تجربة حكومة كاطالانيا في مجال مكافحة الهدر المدرسي، وذلك خلال مؤتمر يحتضنه المعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورومتوسطية والإيبيروأمريكية، الأربعاء والخميس، حول موضوع “الشباب والتغيير الاجتماعي: من أجل تطوير بنيات عمل جديدة”.

مارتا كوران، أستاذة بجامعة كومبلوتينسي عضو بمعهد أبحاث التربية والسياسات الاجتماعية التابع للجامعة المستقلة لبرشلونة، ذكرت أن من الصعوبات التي تعترض جهود مكافحة الهدر المدرسي، عدم تحيين العوامل التي تؤدي إلى عدم استمرار الشباب في الدراسة، وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى معطيات حديثة ومحينة لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة، وبالتالي تسهيل محاربتها.

ولفتت كوران إلى أن الهدر المدرسي له كلفة كبيرة على المجتمع، ذلك أنه يقلص فرص ولوج الشباب إلى مسار حياتي ناجح ويجعلهم عرضة للبطالة أو العمل برواتب هزيلة وعدم الولوج إلى سكن لائق، وهو ما يؤثر على حياتهم الشخصية ويجعلهم أقل رضا عن حياتهم، معتبرة أن هذا الأمر “يدعو إلى القلق”.

وتحدثت عن خمسة عناصر أساسية قالت إن سلطات كاطالانيا وضعتها كأساس لمكافحة الهدر المدرسي؛ أولها معالجة المشكل المتعلق بتحيين المعطيات، حيث تم وضع رقم خاص لكل طالب يمكّن من تتبع مساره قصد معرفة في أي مرحلة يترك الشباب المدرسة، مبرزة أن تحيين المعلومات وجعلها متاحة للبحث في هذا الموضوع يعد استراتيجية فعالة لمحاربة الهدر المدرسي، لكونها تمكّن من اتخاذ إجراءات استباقية لتذليل المشاكل التي تفضي بالطلبة إلى ترك المدرسة.

علاوة على ذلك، تردف الأستاذة الجامعية الإسبانية، تم الاشتغال على الأسباب السوسيواقتصادية والثقافية للطلبة، ذلك أن الطلبة الذين لا يتوفرون على موارد مالية، أو لا يتوفر آباؤهم على التعليم، هم أكثر عرضة للهدر المدرسي، مضيفة أن “جميع الطلبة لديهم قابلية للاستمرار في الدراسة إذا توفرت لهم شروط الاستمرارية”.

وتوقفت المتحدثة ذاتها عند التوجيه المدرسي، مبرزة أنه من العوامل الرئيسية المساعدة على الحد من الهدر المدرسي، ويساعد الطالب على النجاح في مساره الدراسي وفي حياته المستقبلية.

وزادت موضحة: “يجب القيام بمجهودات أكبر لمساعدة الطلبة على اختيار مسارهم الدراسي بشكل موفق”، مشيرة إلى أن التوجيه المدرسي طوال المسار الدراسي للطالب “يجعله قادرا على تحديد اختياراته بشكل واضح لتفادي الهدر المدرسي، وإذا كان يريد التوجه إلى التكوين المهني نوفر له المعلومات والتتبع بدقة”.

العنصر الرابع الذي تتشكل منه أعمدة سياسة محاربة الهدر المدرسي في إسبانيا، بحسب المعطيات التي قدمتها كارون، يتمثل في العمل على جعل الطلبة ينتقلون من مرحلة تعليمية إلى أخرى بشكل سلسل، من خلال وضع نظام تعليمي أكثر مرونة، عبر ضمان تنوع العرض التربوي، مبرزة أن هذا التوجه يمكن تعزيزه بتوفير أنماط جديدة من الدراسة، مثل الدراسة ليلا، حتى يكون التعليم أكثر ملاءمة لحياة الطلاب.

علاوة على العناصر المذكورة، زادت كارون أن هناك عنصرا ذا أهمية، هو الجانب العاطفي والنفسي للطلاب، وقالت: “هذا أمر مهم للغاية، لأن هناك طلابا يعانون من ظروف صعبة قد تدفعهم إلى ترك الدراسة. لذلك، فإن الهدر المدرسي لا يتعلق دائما بمسائل بيداغوجية فقط”، مشددة على أهمية الإنصات إلى الشباب وإلى تجاربهم ومحاولة مساعدتهم.

مونثرات فرانسيسك، مفتشة شرطة بإقليم كاطالانيا أستاذة جامعية، تحدثت عن أهمية دور شرطة القرب في التعامل مع الشباب ذوي سلوك ينبئ بعدم الاهتمام بالدراسة أو يبدون قابلية لترك الدراسة بشكل مبكر والتغيب المدرسي، منوهة إلى أن “معطيات الشرطة لا تمثل دائما الواقع الاجتماعي، بل لا بد من استطلاعات الرأي لمعرفة الواقع يشكل أفضل”.

ولفتت المتحدثة إلى الصورة النمطية إزاء عناصر الشرطة تصعّب أحيانا مهمتهم عند محاولة إقناع الطلبة الذين يبدون قابلية للهدر المدرسي، عن طريق المراكز المحدثة لهذا الغرض، “فأحيانا نتحدث معهم ولا أحد ينصت إلينا، ما حدا بنا إلى القيام بدورات تدريبية للأطر التربوية لتجاوز هذا الإشكال”.

ونبهت فرانسيسك إلى أن هناك علاقة سببية بين الهدر المدرسي والجريم وغيرها من الظواهر غير الحميدة في المجتمع. “ولذلك، لا بد أن يستطيع النظام التعليمي إبعاد الطالب عن السقوط في الهدر المدرسي”.

من جهته، قال فرانسيسك كزابي، دكتور في الفلسفة أستاذ بجامعة رامون ليوي ببرشلونة، إن انشغال الحكومات بمشكل الهدر المدرسي يعكس الأهمية التي يكتسيها إكمال الطالب لمساره الدراسي ونيله لدبلوم، رغم أن مسألة الولوج إلى الشغل تبقى محط نقاش في ظل وجود عدد كبير من الطلبة الذين لديهم ديبلومات عالية ولم يجدوا عملا.

وبالرغم من ذلك، يضيف الجامعي الإسباني، فإن الفشل الدراسي يزيد من مخاطر البطالة أو في أحسن الأحوال الحصول على فرص عمل هشة وتداعيات نفسية، معتبرا أن مشكل الهدر المدرسي مؤشر على اختلال في النظام التعليمي وعدم فاعليته، أو على أنه لا يعمل بشكل جيد، وهو ما يفضي إلى خيبة أمل في مجتمع المعرفة، سواء لدى الإطار التربوي أو المتعلمين.

وتوقف المتحدث ذاته عند ضرورة استحضار الجانب الأخلاقي في العملية التعليمية، داعيا إلى عدم ربطها بما هو مادي فحسب، بقوله: “لا يجب التفكير فقط في سوق العمل، بل في عيش حياة كريمة وذات معنى”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *