اخبار السودان

مراسلة بي بي سي تعود إلى سوريا: “هذي بلادٌ لم تعد كبلادي”

مراسلة بي بي سي تعود إلى سوريا: “هذي بلادٌ لم تعد كبلادي”

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

“نعم من القلب” ملصقات مؤيدة للرئيس بشار الأسد منتشرة في كل مكان في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا

غادرت مراسلة بي بي سي للشرق الأوسط، لينا سنجاب، منزلها في العاصمة السورية دمشق في عام 2013، بعد وقت قصير من اندلاع الحرب. وتمكنتْ مؤخرا من العودة للمرة الأولى منذ سنوات، لتجد بلدها الذي تعرفه متغيرا تماما، ولسان حالها قول الشاعر: “هذي بلادٌ لم تَعُد كبلادي”.

عند دخولي سوريا، كان المشهد كما أتذكره: الجبل ذاته، أشجار البلوط ذاتها، والملصقات الكبيرة للرئيس، التي تذكرنا دائماً بمن يتحكم بالأمور هنا.

ومع ذلك، كان القليل من القادمين سوريين، فمعظمهم جاء للسياحة الدينية من لبنان والعراق، والبعض الآخر ربما جاء للتسوق في أسواق دمشق.

توجهتُ نحو المدينة، لتبدأ نقاط التفتيش.

على مدى العقد الماضي، اختفى الكثير من الناس هنا، ويكفي أن يقف وراء ذلك تعبيرهم عن آراء تنتقد النظام، أو حتى الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي متعاطف مع المعارضة.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

قصص مقترحة

قصص مقترحة نهاية

لا شيء يبدو أنه قد تغير في سوريا تحت حكم الرئيس بشار الأسد، إلا أنها بلدٌ غيرته الحرب.

ازدهار ثقافي وانهيار اقتصادي

بعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الاحتجاجات في سوريا، تغيرت أجندة النظام؛ حيث صار الاقتصاد شغلها الشاغل، وليس السياسة.

وصلتُ إلى دمشق ليلاً، لأجد المدينة غارقة في الظلام. حتى الأحياء الفاخرة، باتت معتمة. وهذا هو الحال لسنوات، فهناك نقص في كل شيء تقريباً، يجبر السوريين على الوقوف في طوابير طويلة لتأمين احتياجاتهم الأساسية.

فأنت بحاجة إلى بطاقة ذكية تحمل بياناتك للحصول على الخبز المدعوم أو مخصصات الوقود أو الغاز، لتصلك رسالة نصية تخبرك بموعد انضمامك إلى الطابور.

ويبدو أن الحكومة عازمة على تقديم سوريا في صورة دولة حديثة مع انهيار كل شيء.

انقطاع التيار الكهربائي أمر شائع في دمشق ومدن أخرى

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

انقطاع التيار الكهربائي أمر شائع في دمشق ومدن أخرى

وضعت الدولة نظاماً لدفع الفواتير الحكومية عن طريق التحويل المصرفي، عبر تطبيق على الهاتف المحمول. لكن الكثير منهم لا يستطيعون الوصول إلى البنوك أو الهواتف المحمولة.

ثم ظهر نظام آخر يسمح لك بالدفع إلكترونياً دون الحاجة إلى بنك، لكنك لا تزال في حاجة إلى هاتف محمول. وفي بعض الأحيان ينفد الوقود من المولدات التي تشغل أبراج الهاتف، وتنقطع الشبكة.

لقد نشأ جيل كامل جديد من السوريين في أجواء الحرب، بين انفجارات وتفخيخ وأخبار متواصلة عن الموت والاختفاء. ومع ذلك فهم غير مبالين بتلك الحرب، لكنهم يعلمون جيداً أن هناك حدوداً لا يمكنهم تخطيها للعيش في أمان؛ لذا يصبون اهتمامهم على الثقافة والتراث والفن والموسيقى، فهي مجالات آمنة إلى حد ما من الأيدي الباطشة.

إن المشهد الفني والثقافي مزدهر رغم كل شيء؛ فالفرق الموسيقية تعزف جميع أنواع الألحان، وتُفتتح معارض جديدة، وهناك شغف متجدد لاستكشاف ما تبقى من المواقع التاريخية في سوريا.

الاستياء من “المحتلين” في سوريا

تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

إن وجود أعداد كبيرة من مواطني الدول المتحالفة مع سوريا يثير غضب السوريين هنا. فإذا تجولت في المدينة القديمة، ستسترعي انتباهك أصوات الزوار من العراق ولبنان وإيران بل وحتى من اليمن.

من بين هؤلاء مسلمون شيعة، أوفدتهم إيران لتعزيز نفوذها في سوريا، أو كما يراها أهل دمشق، لتوسيع نفوذ الشيعة في المنطقة.

والحقيقة أن غالبية السوريين من المسلمين السنة، ومعظم اللاجئين الفارين من الحرب، البالغ عددهم خمسة ملايين، من السنة كذلك، في حين أن النخبة الحاكمة من العلويين، وهم طائفة شيعية تمثل نحو 12 في المئة من السكان.

حتى الموالون للنظام، الذين رأوا في الماضي أن الوجود الإيراني أمر استراتيجي، باتوا يطلقون عليه الآن “الاحتلال”.

ولم يتزايد السخط إلا بعد أن هاجمت إسرائيل أفراد الجيش والأمن الإيرانيين المتمركزين في الأحياء السكنية في دمشق، حيث تنظر إسرائيل إلى وجود عدوها اللدود “إيران” في سوريا على أنه تهديد كبير.

وبعد هجوم على مبنى في المزة، المنطقة الثرية جنوب غرب المدينة، وصفت إحدى النساء المشهد قائلة “كان المبنى بأكمله يهتز”.

وتساءلت: “لماذا عليَّ أن أعيش هذا مع أطفالي؟! لماذا يأتي هؤلاء ليعيشوا في مناطق سكنية؟”

هذا الأسبوع، استهدفت ما يشتبه في أنها غارة جوية إسرائيلية، القنصلية الإيرانية في المزة، ما أسفر عن مقتل قادة إيرانيين كبار.

ما يُشتبه في أنها غارة جوية إسرائيلية، دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في المزة بالعاصمة دمشق، كما سبق أن أصابت غارات مماثلة مباني سكنية في المنطقة

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

ما يُشتبه في أنها غارة جوية إسرائيلية، دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في المزة بالعاصمة دمشق، كما سبق أن أصابت غارات مماثلة مباني سكنية في المنطقة

ولا يختلف الروس عن غيرهم من الغرباء في سوريا، فهم أيضاً غير مرحب بهم.

ومع أن عدد القوات الروسية قد انخفض منذ الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، إلا أن وجودهم لا يزال جلياً في البلاد، سواء كانوا من الجنود الروس النظاميين أو من المقاتلين التابعين لهم من منطقة الشيشان جنوب روسيا.

وعلى الرغم من أن شمال غرب سوريا لا يزال تحت سيطرة مقاتلي المعارضة السورية، لكنَّ الكثير من أهل دمشق يرون أن هذه البقعة من البلاد يحكمها “محتل” آخر، وهو هنا تركيا التي تتمركز قواتها هناك.

وفي الوقت نفسه، تسيطر القوات التي يقودها الأكراد على معظم شمال شرق سوريا، حيث موارد النفط في البلاد.

وتختلف مستويات المعيشة في كل منطقة من تلك المناطق؛ حيث تعد الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، من أفقر المناطق على الإطلاق.

ورغم أن حلفاء الرئيس الأسد لا يزالون يبسطون نفوذهم على الأرض، إلا أن الأسد ونظامه يعلقون آمالهم على لاعب كبير آخر

الحلم السعودي للنخبة السورية

في الدوائر القريبة من الحكومة، توصف المملكة العربية السعودية بأنها لاعب إقليمي كبير، ولم يعد يُنظر إليها على أنها تغذي الإرهاب في سوريا، كما كان يُنظر إليها في الأيام الأولى للانتفاضة.

ويرى بعض السوريين أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رجل عبقريّ لديه القدرة على أن يضع العالم العربي على مسار جديد.

فبعد سنوات من الاستبعاد من جامعة الدول العربية، وُجِّهت الدعوة إلى بشار الأسد لحضور قمة في الرياض العام الماضي، ما أنعش أمل النظام في أن الأيام الخوالي ستعود قريبا؛ فهم يحلمون بتدفق الأموال من دول الخليج لإعادة إعمار البلاد ومساعدة النظام المفلس على دفع الرواتب.

لكن البلاد هذه الأيام أضحت غارقة في الفقر، وتمكن اليأس من الكثير من المواطنين الذين يقولون: “لن ينجلي هذا الليل الطويل”.

لقد أصبح من المعتاد أن ترى عائلات تنام في الشوارع، وآخرين ينقّبون عن الطعام في حاويات القمامة، بينما يستمر نمط الحياة الراقية دونما تغيير في مناطق أخرى، تذكرنا بأفخم أحياء لندن أو باريس.

تزدحم المقاهي والمطاعم رغم تفاقم الفقر

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

تزدحم المقاهي والمطاعم رغم تفاقم الفقر

تناقضات صارخة تشهدها سوريا. ومع ذلك، فالعديد ممن فرّقتهم الخلافات السياسية خلال الحرب، عادوا ليقتربوا من جديد.

ولقد أبدعت الحكومة في إيجاد سبل لانتزاع الأموال من جيوب الناس، عبر الضرائب والغرامات والرسوم الجمركية وغيرها من التدابير والإجراءات.

لهذا، اختار العديد من رجال الصناعة إغلاق مصانعهم أو تقليل أيام العمل، تجنباً للرسوم غير المتوقعة. فقد احتُجِز آخرون ولم يجدوا مَخرجاً سوى دفع أموال للحكومة مقابل الحق في ممارسة الأعمال التجارية.

ومع ذلك، تستمر الحياة قدر المستطاع، فالناس يتواصلون مع بعضهم البعض ويلتقون لاحتساء الشاي والقهوة أو تناول وجبة.

وفي وقت متأخر من الليل، تمتلئ المطاعم، وتعج مقاهي الشوارع بالصغار والكبار، ويستمتع رواد بعض الأماكن بعزف الموسيقى العربية.

بعد الاستماع إلى أغاني الحنين التي تمجّد مدينة حلب، وبعد احتساء بضعة أكواب من العَرَق، شراب اليانسون المحلّي، قارن أحد الأصدقاء بين حال البلاد المتردي وقوّة ثقافتها.

“نحن زائلون، لكن الأغاني ستحمل قصصنا وثقافتنا لأجيال قادمة”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *