اخبار السودان

مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطاري «7»

مجدي عبد القيوم (كنب)

التيار السلطوي أفسد الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب

هل وصل الإطاري إلى طريق مسدود

لا تتوافر أي سلطة تأسيس لأي وثيقة حاكمة جديدة

لا مناص من منصة وطنية تشرعن لأي إتفاق

المشهد يتطلب إتفاق سياسي جديد

هذا هو المطلوب من الحزب الشيوعي

في التقدير أن التخريب الممنهج الذي مارسه نظام الإنقاذ في الحياة السياسية لم يقتصر على الأحزاب أو القوى السياسية كمؤسسات بل تعدى ذلك إلى الممارسة السياسية نفسها أي السلوك السياسي كطرق ومناهج عمل، فاستخدام الانقاذ مثلا للرشى السياسية بمختلف أشكالها لشراء المواقف ظل المنهج المحبب والاثير وقد تزامن ذلك مع استراتيجية التمكين الاقتصادي التي خصت في حيز مقدر منها القطاعات الشابة في الحركة الإسلامية.

فى تجربة الإنقاذ أيضا تكاد ترى انطباق توصيف الشريحة التي أوردها عبد الرحمن الكواكبي فى كتابه الأشهر “طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد” على هذه المجموعات التي فتح لها التمكين الاقتصادي فرص التمويل عبر الجهاز المصرفي من حيث الطبيعة الطبقية أو الخلفية الإجتماعية ولعل هذه الشريحة المنبتة كانت فعلا أحد أهم مقاتلي الحركة الاسلامية ومشروعها سىء
الذكر ففي صراع القصر والمنشية بدأ واضحا أن هذه الشريحة انحازت لمجموعة القصر لارتباطها العضوي بحركة رأس المال الاسلامي ومؤسساته.

لم يقتصر تأثير تلك الشريحة على حقبة الإنقاذ بل امتد ليشكل بنية تفكير كثير من الشباب الذين نشأوا في كنف الإنقاذ وصار البحث عن الثراء السريع عبر بوابة العمل العام أحد أهم أهداف قطاع واسع من الشباب في ظل ضيق فرص العمل كنتيجة طبيعية لانحسار دور القطاع العام في التوظيف وضعف عائد الوظيفة حتى أن وجدت.

تجلت هذه الظاهرة خلال سنى الفترة الإنتقالية وشكلت هذه المجموعات قاعدة للتيار السلطوي داخل التنظيمات السياسية لتمارس السياسة بمنهج برغماتي بلا محددات قيمية أو أخلاقية.

هذا التيار السلطوي يسعى الآن للوصول إلى اتفاق ثنائي يفضي إلى شراكة في الحكم مع المكون العسكري ايا كان شكل الإتفاق، وفي سبيل الوصول لغايته يستخدم المنهج التبريري والذرائعي لتسويق بضاعته المعروضة في سوق بيع المواقف بلا اي وازع.

لقد أفسد هذا التيار السلطوي الفترة الإنتقالية برمتها وطال ذلك حتى الممارسة الديمقراطية داخل التنظيمات السياسية نفسها كمؤسسات فطال التخريب بنى وهياكل الأحزاب في إطار منهج اختطاف القرار، فهذا المنهج يستلزم السيولة التنظيمية واضعاف المؤسسية.

الآن البلاد يتنازعها العقل التأسيسي والعقل السلطوي،
يسعى الأول إلى إعادة الدولة إلى منصة التأسيس بالمعنى الحرفي لمعالجة الاختلالات التي لازمت الدولة منذ النشأة، وهذا نفسه يعبر عنه تياران هما تيار التغيير الجذري وتيار التسوية التاريخية والتيار السلطوي المدعوم اقليميا وإلى حد ما دوليا بغرض الوصول لسلطة يتمكن عبرها من الحفاظ على مصالح دول إقليمية في سياساتها التي تهدف إلى نهب موارد البلاد عبر اتفاقيات مشبوهة.

ما سمي بالعملية السياسية هو تجلي لفكر التيار السلطوي الذي يسعى للحفاظ على مكاسبه التي حققها خلال الفترة المنصرمة من الانتقال من خلال التحالف الانتهازي مع المكون العسكري بشقيه ولا يعنيه كثيرا اية أهداف اخرى فادوات السلطة وحدها هى التي يتمكن من خلالها من الحفاظ على تلك المصالح.

بدأ هذا واضحا في منهج إدارة ما يسميه زورا بالعملية السياسية وهو محض حوار ثنائي يؤدي إلى تفاوض يفضي إلى شراكة في السلطة ولكي يخرج هذا التيار بأكبر المكاسب أستخدم مصطلح اغراق العملية السياسية للتبرير لمنهج الاقصاء وهو هنا لا ينطلق من تأسيس نظري بمعنى أنه ليس من باب الإختلاف الفكري انما لتضييق قاعدة المشاركة في الغنيمة.

استخدم المكون العسكري هذا التهافت على السلطة لهذا التيار لفرض شروطه لتحقيق أقصى حد من المكاسب، ذروة سنامها ضمان الإفلات من العقاب وهو يدرك جيدا أن اى مجموعات مؤطرة فكريا لن تحقق له ما يطمح إليه لذلك عمد إلى دعمها في المواجهة مع التيار التأسيسي التي لا زالت مستعرة وستظل قطعا إضافة إلى المصالح الإقتصادية من اموال عائد نهب ثروات البلاد.

إذن الخلافات بين شركاء ما يسمى بالعملية السياسية ليست جوهرية لأن التناقض بينهم تناقض ثانوي لذلك سيبذلا كلما في وسعهما لاحتواء هذه الخلافات،
التحدي الآن أمام الشركاء ليس في حسم الخلافات بل في كيفية تمرير هذا الاتفاق بشكله هذا وسط رفض القطاع الأوسع من قوى الثورة بمختلف فصائلها سيما لجان المقاومة.

في التقدير وبالنظر لتعقيدات الواقع أن هذا الإتفاق قد وصل إلى طريق مسدود وبات قاب قوسين من الانهيار رغم كل محاولات الانعاش بما في ذلك قبلة الحياة التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية الامريكى مولى في.

في التقدير أن الإتفاق النهائي في ظل التحديات الماثلة لن يكتب له النجاح وبالتالى لن يكون قادرا على خلق الاستقرار المنشود وذلك الأسباب الاتية:

١/ ضيق قاعدة الإتفاق إذ هو مقتصر على قوى لا تمتلك جلها أي عمق جماهيري.

٢/ الرفض المبدئي لقطاع عريض من قوى الثورة لأي اتفاق مع العسكر.

٣/ الفشل في معالجة أهم الملفات المعلقة وهى:

(أ) قضية شرق السودان.
(ب) قضية العدالة الانتقالية.

(ج) قضية اتفاقية السلام.
(د) إصلاح المنظومة الأمنية.

٤/ الافتقار للمشروعية الدستورية.

ولعل السبب الأخير يفتح الباب واسعا أمام مختلف الاحتمالات، اذا كان الإتفاق لا تتوافر له منصة تأسيس تشرعن له وفقا لوثيقة حاكمة، وتبعا ما ينشأ عنه أو يترتب عليه كتشكيل الحكومة مثلا فإن ذلك قطعا يضع عقبات دستورية ليس مستبعدا من بينها الطعن الدستورى من قبل المجموعات التي ترفض الإتفاق بشكله الحالى.

مؤكد أن اتفاق الشراكة الذي انقلب عليه البرهان جاء تأسيسا على الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ التي شكلت الشرعية الثورية آنذاك منصة تأسيس لها، وهو ما لا يتوافر الآن وحتى إتفاق ٢١ نوفمبر بين حمدوك والبرهان استند على ذات الوثيقة ليكتسب مشروعيته، لأن جلسة مجلس الأمن بتاريخ ٢٨ أكتوبر ٢٠٢١ التى ناقشت انقلاب البرهان لم تصدر قرارا انما بيانا يطالب بالعودة للشراكة وفقا للوثيقة الدستورية.

إذن هذا الإتفاق وان تم التوقيع عليه فهو بحاجة إلى سلطة تأسيس تمنحه المشروعية وحيث أن واقع الحال يقول بأن قطاعا واسعا يرفض الإتفاق بشكله الحالى فهو إذن بحاجة إلى رافعة أو آلية جديدة.

في التقدير أنه لا بد من منصة وطنية جامعة تشارك فيها كل القوى عدا المؤتمر الوطنى وروافده، تكون بمثابة سلطة تأسيس لأي مرجعية دستورية يتم الإتفاق عليها.

والمطلوب الآن إتفاق سياسي جديد تشارك فيه و تتوافق عليه كل القوى بما فى ذلك قوى الحل الجذري ولجان المقاومة وحركة تحرير السودان والحركة الشعبية وكل الديمقراطيين، ومن غير المنطقى إخلاء الساحة لتعربد فيها قوى غير مؤهلة ولامؤتمنة على البلاد.

ان التاريخ يدون في صفحاته مواقف القوى للأجيال القادمة ولا يمكن أن تترك البلاد نهبا لاطماع قوى أجنبية تهدد وجود الدولة ككيان.

المطلوب من الحزب الشيوعي على وجه الخصوص الخروج من هذه العزلة التب أدخل فيها نفسه والتصدي للمؤامرة التي تتعرض لها البلاد وهو دوره الطبيعى على مر التاريخ وهو قمين بذلك.

لا يمكن أن ترهن البلاد لهذا التحالف المرزوء، إن هذه اللحظة من تاريخ البلاد لا تحتمل الانزواء والانكفاء على الذات مهما كانت الزرائع،
المطلوب الآن إسقاط هذا الإتفاق المشبوه بشتى الوسائل والعمل على تشكيل تحالف جديد واختيار قيادة جديدة مؤهلة تخرج البلاد من هذه الأزمة.

مستقبل العملية السياسية ما بعد الإطاري «6»

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *