اخبار المغرب

اعتماد مواثيق دولية في صياغة مدونة الأسرة يصادم “محافظين” و”حداثيين”

لا تزال مدونة الأسرة تُسيل الكثير من المداد منذ الإعلان عن تعديلها، أواخر شتنبر الماضي، بالنظر إلى حجم الأخذ والرد الحالي بين أقطاب المجتمع حول طبيعة التعديلات التي سيتم إجراؤها عليها من قبل اللجنة المعنية. ولعل الملفت للانتباه هو إثارة الطرف المحافظ لما يسميه “الإملاءات الدولية”، رافضا بذلك “استحضارها عند إعادة صياغة نص المدونة”.

وأكد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في آخر مهرجان خطابي لحزبه حول الأسرة، أن “الشعب المغربي لا يقبل المقترحات الدولية التي تدعو إلى التخلي عن الشريعة الإسلامية، ويرفض القبول بالمرجعية الدولية، التي سيكون من نتائجها تفكك الأسرة بطريقة مباشرة”، وهو ما حاول معتنقون للفكر الحداثي تشبيهه بـ”استحضار اليساريين والحقوقيين موضوع إملاءات المنظمات الدولية عندما يتعلق الأمر بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للبلاد”.

وفي الوقت الذي يرفض المحسوبون على الصف المحافظ بالبلاد اللجوء إلى المرجعيات الدولية عند إعادة صياغة قانون الأسرة المغربي، خصوصا الاتفاقيات التي صادقت عليها البلاد، لـ”عدم مطابقتها للخصوصية الوطنية”، لا يرى الفرقاء المحسوبون على الصف الحداثي “أي نقص في استحضار هذه المرجعيات والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب”، معتبرين أن “ذلك في مصلحة الأسرة والمرأة المغربيتين”.

ضرورة تطوير المجتمع

عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفكر الديني، قال إن “المغرب لا يوقع على الاتفاقيات الدولية إلا بعد أن يرى أنها تعد تطويرا لوضعية حقوق الإنسان بالبلاد، حيث لا يتصور أساسا أن تعمد المملكة إلى التوقيع على هذه الاتفاقيات إن كانت لا تتلاءم مع خصوصياتها الدينية والمجتمعية والثقافية”.

وبين رفيقي، في تصريح لهسبريس، أن “التهجم المتعمد للإسلاميين على ارتباط المغرب بتنفيذ الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها، ومحاولته استحضارها عند مراجعة مدونة الأسرة، يظل نوعا من الانتصار للأفكار المحافظة، التي ترفض التطوير بغض النظر عن كل ما يروجونه من خطابات تتعلق بالدفاع عن الدين والهوية”، لافتا إلى “وجود دول لها نفس الهوية الدينية ومع ذلك تبقى ملتزمة بهذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية”.

وتابع قائلا: “الموضوع ينقصه فقط نوع من الاجتهاد بهدف ملاءمة التشريعات والنصوص القانونية الوطنية مع مضامين هذه الاتفاقيات الكونية التي صادق عليها المغرب، على اعتبار أن المنظمات الأممية تنبه في الأساس الدول إلى الالتزام بمجموعة من البنود، التي تروم الحفاظ على مصلحة الأسرة والطفل وتطوير منظومة حقوق الإنسان”.

وخلص الباحث في الفكر الديني إلى أن “المغرب يظل في نهاية المطاف بلدا يعيش داخل مجتمع إقليمي ودولي، مما يجعله مطالبا بالتطوير والتحديث بخصوص تشريعاته والنصوص التي تؤطر العلاقات المجتمعية داخله”، مؤكدا أنه “يظل كذلك من الدول التي تعمل على صياغة هذه الاتفاقيات، ومن ثم المصادقة عليها”.

توصيات دولية “مرفوضة”

أوس الرمال، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، أفاد أن “مصداقية الأطاريح والإملاءات والتوصيات الدولية كانت في وقت سابق معتبرة، غير أن ما يحدث اليوم بين عدم صدقيتها وصدقية أصحابها، على اعتبار أنهم يدعون إلى قوانين ومبادئ ويقومون بنقيضها، وهو ربما ما يؤكده حال النسوة بفلسطين، اللواتي يدعو الغرب إلى حمايتهن وإدماجهن الاقتصادي والاجتماعي”.

وأضاف الرمال، في تصريح لهسبريس، أن “المغاربة يتوفرون على ما يكفي من الرشد والحكمة من أجل إيلاء الاهتمام والعناية اللازمة بمصلحة الأسرة المغربية المسلمة، بعيدا عن الطروحات التي تروج لها المنظمات الدولية، فالمغاربة وإن أخطؤوا فإنهم يتوبون ولا يبدلون معتقداتهم مهما كان الأمر، ولا أظن أن عاقلا منهم يمكن أن يسمح بمفهوم آخر جديد للأسرة على الطريقة الغربية”.

ونبه المتحدث ذاته إلى “عدم منطقية ما تتم الدعوة إلى تضمينه في المدونة الجديدة، فكيف يعقل أن تتم الدعوة إلى إشهار عقوبة السجن في حق المتزوجين في فترة صغيرة، أي أقل من 18 سنة، على الرغم من كون ذلك يأتي مشجعا على استمرار نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية للطفلات”، مؤكدا أن “المغاربة بغض النظر عن كل الإملاءات الدولية يظلون قادرين على التفكير بالمنطق الذي يحفظ أسرهم، كما أن الأسرة المغربية والمسلمة تظل قادرة على إعطاء الدروس للأسرة الغربية، فالأولى مبنية بشكل متين، في حين تبقى الثانية هشة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *