اخبار

دلالات انتخابات الحركة الطلابية في جامعتي النجاح وبيرزيت ..

بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

انتهت قبل ايام إنتخابات مجالس الطلبة في جامعتي النجاح الوطنية بمدينة نابلس، وبيرزيت بمحافظة رام الله، بتفوق حركة حماس على حركة فتح بالجامعتين، وكانت حركة فتح قد تفوقت على حركة حماس في الإنتخابات التي جرت قبل أكثر من شهر فيجامعتي الخليل وبيت لحم.

وتبين نتائج هذه الإنتخابات أن حركتي فتح وحماس تتقاسماننسبة التأييد في الرأي العام الفلسطيني، لا سيما في أوساط الحركة الطلابية التي تعتبر أحد أهم مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها (الديمقراطي الليبرالي والإسلامي المحافظ)،ومن أوساطها تتولد قيادات الشعب الفلسطيني المستقبلية، الأمر الذي يأتي مصدقاً لنتائج استطلاع الرأي العام رقم (87) للربع الأول من العام الجاري 2023، الذي يواظب على تنفيذه ونشر نتائجه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إذ أظهرت نتائج هذا الإستطلاع أن التعادل بين فتح وحماس ظل على حاله دون تغيير ذي مغزى خلال الربع الأول من العام الجاري.

وتظهر القراءة الأولية لنتائج هذه الإنتخابات أن الميول الإنتخابية للحركة الطلابية مختلفة من جامعة إلى أخرى، ويبدو هنا أن هذه الميول في هذه الجولة من الإنتخابات كانت أيضاً مختلفة في جامعات جنوب الضفة الغربية عن الجامعات في شمالها، إذ فيما فازت فتح (الليبرالية) في مجالس الطلاب في جامعتي الخليل وبيت لحم حيث تحسب الأولى أنها جامعة محافظة والثانية ليبرالية، فازت حركة حماس (المحافظة) في جامعتي النجاح الوطنية التي تحسب أنها محافظة، وبير زيت التي تعتبر ليبرالية.

وفيما إنتصر الشعب الفلسطيني برمته على الأقل بالضفة الغربيةبإجراء هذه الإنتخابات، الأمر الذي يبين  تصميمه على إعتماد الديمقراطية وصندوق الإقتراع كوسيلة وحيدة لتداول السلطة والقيادة داخل أسوار الحرم الجامعي، إلا أن قراءة دلالات نتائج هذه الإنتخابات، لا سيما في جامعتي النجاح وبير زيت، تظهر أن مقاربة فتح في معالجة أسباب واثار انقلاب حركة حماس على النظام الفلسطيني في صيف العام 2007، وإقامتها نظام حكم الأمر الواقع في غزة هي مقاربة غير ناجحة ونتائجها عكسية، الأمر الذي يعكس أزمة أو أزمات حركة فتح التي بدورها كانت السبب الرئيس في عدم قدرة الشبيبة على الفوز في معاقل شهدت تأسيس وميلاد الشبيبة في نهاية سبعينات القرن الماضي.

ومن جهة أخرى تظهر أن فوز حركة حماس في اي إنتخابات تجري في الضفة الغربية دون إعلان صادق وصريح منها بأن منهاج التربية الداخلية في صفوفها الذي لا يرى في الآخر الفلسطيني شريكاً في المجتمع كان السبب الرئيس في إستسهال إراقة الدماء في شوارع غزة العام 2007، الأمر الذي يجعل من تحقيق المصالحة وتعزيز المناعة الوطنية وإنتاج وحدة وطنية ومجتمعية والتأسيس لنظام سياسي مستقر مهمة مستحيلة، لا سيما وأن ثقافة هذه المناهج التربوية لا زالت تخرج أجيال المستقبل.

وحول أزمات حركة فتح المزمنة فتجدر الإشارة هنا أن تقرير لجنة التحقيق عن تقصير القوات المسلحة الفلسطينية في التصدي لانقلاب حماس العام 2007، الذي أعقب  خسارتها المدوية أمام حركة حماس في الإنتخابات التشريعية العامة العام 2006، قد لخص المسؤولية في النطاق السياسي بنقطتين، الأولى هي ضبابية الرؤية، والثانية هي غياب المؤسسة القيادية.

وقد حدد التقرير أن المقصود بالقيادة هنا هي قيادة حركة فتح بدءاً من اللجنة المركزية مرورا بالمجلس الثوري وانتهاء بقيادات التنظيم المحلية وقيادة الساحات {…}، واضاف التقرير أن نظرة سريعة الى التاريخ القريب، تكشف حدة الأزمات العميقة والمركبة، البنيوية والوظيفية التي تعانيها الحركة بما يتناسب حتى بتآكل رصيدها النضالي، ويقدمها حركة يستشري الفساد في أوساطها القيادية، وخصوصاً لدى العناصر التي احتلت مواقع متقدمة بالسلطة {…}، وفي السياق ذاته أضاف التقرير وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لخسارة فتح للإنتخابات البلدية والتشريعية أمام حركة حماس، ويواصل التقرير أن هذا بالطبع الى جانب التشرذم وغياب وحدة الموقف، قد دلل على أن تجربة فتح بالحكم وقيادة النظام السياسي دون إنجازات سياسية نتيجة انسداد الآفاق وسوء الأداء وانهيار خيار السلام التفاوضي “لم تكن نموذجاً مشجعاً يحفز على التفاف الرأي العام”.

اللافت هنا أن أسباب خسارة فتح أمام حماس انتخابات البلديات العام 2005، وانتخابات المجلس التشريعي العام 2006، ثم خسارة غزة برمتها العام 2007، لا زالت حاضرة وفاعلة بعد مرو 16 عام على صدور تقرير التحقيق، الأمر الذي يجعل من النسب التي حققتها الشبيبة من اصوات الطلاب في النجاح وبير زيت ثم فوزها في انتخابات بيت لحم والخليل انتصاراً كبيراً يتوجب البناء عليه إذا أرادت فتح على الأقل الحفاظ على طهرة المشروع الوطني التي يكتب لجيلها المؤسس بعثه في نهاية خمسينات القرن الماضي.

أما حول مقاربة حركة فتح لمعالجة اثار الإنقلاب والتي قامت على أساس بناء حكم جاذب في الضفة الغربية (ديمقراطي، شفاف، محوكم، خالي من الفساد) يحقق الرفاهية وبحبوحة العيش للناس، يكون جاذباً للمواطنين لا سيما في غزة ومحركا لهم بالثورة ضد نظام حكم الأمر الواقع الذي لا يمكن له إلا أن يكون ظلامي وقمعي وغير قادر على تحقيق وعوده للناس هناك (بالتحرر من الإحتلال ورفاهية العيش والخلو من الفساد) فقد جاءت عكسية تماماً.

وحول فوز حماس في المعاقل التاريخية لحركة فتح في جامعات الضفة الغربية دون التجرأ على تغيير مواطن التهديد لوحدة ومناعة المجتمع الفلسطيني المتمثلة في مناهجها التربوية التي ترى في الآخر الفلسطيني أنه يتعلق بالنار لأنه يعمل خارج تعاليم النص المقدس، لا يطمأن الشعب الفلسطيني بأن دمه محرم على أخيه الفلسطيني، لا سيما وأن حكمة حماس لم تنمو بقدر نمو قوتها العسكرية، التي قدمت نماذج مقاومة لا يمكن لكل ذي بصيرة إنكارها، الأمر الذي يعرض الشعب الفلسطيني للخسارة مرتين،الأولى في عجز فتح عن معالجتها أزماتها المستعصية، والثانية حول عدم تصويب رؤية حماس للآخر الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *