اخبار المغرب

نواعير وادي سبو.. أنظمة عريقة للسقي تقاوم الاندثار في مولاي يعقوب

على طول وادي سبو بالنفوذ الترابي لإقليم مولاي يعقوب ضواحي مدينة فاس، ما زالت عدد من النواعير الخشبية تداعب مياه النهر دون كلل، مواصلة الصمود في مواجهة شبح الاندثار الذي يتربص بهذه التقنية العريقة في السقي.

ويرفض مجموعة من فلاحي المنطقة، كما هو الحال بجماعة عين قنصرة، التخلي عن هذه الوسيلة في رفع المياه من وادي سبو لسقي أراضيهم وحقولهم الفلاحية، وذلك رغم ما يواجهه استعمال النواعير من تحديات، أبرزها تراجع تدفق المياه بالوادي جراء شح التساقطات المطرية.

أنظمة سقي صديقة للبيئة

“تعتبر الناعورة تراثا مائيا يُعتمد عليه في أنظمة السقي بوادي سبو الأوسط بسافلة فاس، وهي ذات أبعاد ثقافية واقتصادية وإيكولوجية وبيئية، وتحافظ على المنظومة البيئية بامتياز، لكونها تعمل اعتمادا على حركة الماء لتدويرها”، وفقا لما جاء في دراسة أوردها العدد 21 من مجلة الفضاء الجغرافي والمجتمع المغربي، الصادر سنة 2021.

وتضيف هذه الدراسة الجغرافية، التي تحمل عنوان “الناعورة تراث مائي لسقي المجال النهري بوادي سبو الأوسط بإقليم مولاي يعقوب”، أن الناعورة توفر على الفلاح مصاريف كثيرة؛ لكونها لا تتعدى في صنعها قيمة 10 آلاف درهم، وتعمل طوال اليوم والسنة دون مقابل، كما تعتمد في عملها بوادي سبو على الصبيب القوي للجريان المائي لتدور عكس التيار، وعلى حاجز يبنى بأكياس بلاستيكية بسيطة مملوءة بالرمال والصخور، وبعض العصي والشوك أو الأسلاك الحديدية، حتى لا ينجرف حاجز جمع الماء.

ووفقا لما أفادت به الدراسة الأكاديمية ذاتها، فإن النواعير بالمجال الجغرافي لإقليم مولاي يعقوب تعترضها مشاكل متعددة، منها تعرضها للانجراف بفعل الفيضانات، أو إصابتها بالعطل جراء التوحل الناجم عن النفايات الصلبة وبقايا الأنشطة الفلاحية، كما أن تغيير النهر لمساره يجعل النواعير بعيدة عن مجراه.

الجيل الحالي يجهل النواعير

عبد العالي كاري، فاعل جمعوي بجماعة عين قنصرة بإقليم مولاي يعقوب، قال إن الجيل الحالي بالكاد يستطيع التعرف على آلة اسمها الناعورة رغم تاريخها العريق ولعبها دورا محوريا في مسار البشرية، مشيرا إلى أن الفلاحين، إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، كانوا يقبلون، بكثافة، على طول وادي سبو على استعمال النواعير قبل أن تبدأ في الاختفاء.

وعلى مستوى جماعة عين قنصرة، التي يخترقها واد سبو، أضاف كاري، في تصريح لهسبريس، أن باستثناء ناعورة واحدة ما زالت تشتغل بصفة متواصلة، فإن ما تبقى من النواعير بالمنطقة تعمل بشكل متقطع أو توقفت نهائيا عن العمل، لعوامل عدة، منها تغير أساليب الاستغلال الفلاحي، وعدم وجود حرفيين لصيانة وصناعة النواعير، وتراجع صبيب الوادي.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن النواعير تعتبر آلات صديقة للبيئة ولا تحتاج إلا لبعض الصيانة بين الفينة والأخرى، مبرزا أن النواعير تشتغل دون كلل، ليل نهار وخلال جميع فصول السنة، كما أنها لا تكلف الفلاح إلا القليل من المصاريف.

ودعا الفاعل الجمعوي ذاته، وهو يتحدث لهسبريس، إلى حماية وادي سبو من مظاهر التلوث الناجمة عن مخلفات مواد البناء والنفايات المنزلية التي مصدرها مدينة فاس، مبرزا أن لوادي سبو دورا مهما في إنعاش الأنشطة الفلاحية على طول ضفافه، التي باتت تعاني من هذا المشكل البيئي العويص.

تحديات تعجل بانقراض النواعير

من جانبه، قال كمال أزهري، من دوار الكراكر بجماعة عين قنصرة، إنه ورث حرفة صيانة وصناعة النواعير من والده، مشيرا إلى أن حجم النواعير الخشبية يختلف بحسب مستوى ارتفاع سطح الأرض عن مستوى مجرى الوادي؛ حيث كلما زاد هذا الارتفاع كان قطر الناعورة أكبر.

وأوضح أزهري، في تصريح لهسبريس، أن الناعورة الخشبية تتكون من عد كبير من القطع؛ فهناك ما يسمى بـ”طي العين” الذي يتكون من “الموات” و”المرايات” و”القنبة”، إضافة إلى “الفراخ” و”الشكالات” و”القباب” و”الغلق” و”المغزل” الذي تدور حوله الناعورة، والذي يشتمل على “اللزايز” و”الوسايد” و”الزعافر”، كما تتكون أجزاء الناعورة مما يعرف بـ”الكسعة” و”الكواز” التي توصل الماء إلى الحقل.

وأضاف أن الناعورة تشتغل بحسب قوة تدفق الماء؛ حيث كلما كان جريان الماء قويا ارتفعت سرعة دوران الناعورة، ومن ثم زاد حجم الماء الذي ترفعه نحو الحقل، مشيرا إلى أن فلاحي منطقته كانوا يقبلون على اعتماد هذه التقنية في تأمين ماء السقي لحقولهم قبل أن تبدأ في التراجع.

وأكد الحرفي ذاته أن غزو المكننة وتعرض النواعير للتلاشي بسبب توقفها عن الدوران لتراجع صبيب وادي سبو خلال العقود الأخيرة، فضلا عن غياب الخلف لتعلم حرفة صناعتها وصيانتها، من التحديات التي ستعجل باختفاء تقنية السقي بالنواعير بوادي سبو.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *