اخبار المغرب

رسائل الاعتراف بمغربية الصحراء توافي المنتظم الدولي بوثائق رسمية

قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن “الرسائل الملكية المغربية، أو للملوك والرؤساء، حافظت على قوتها التاريخية وحجيتها القانونية، بل هناك من يعتبر الرسائل هي أعلى مراتب الديبلوماسية في التواصل بين الدول، خاصة وأنها تتضمن التزامًا وثباتا في المواقف”.

وتطرق بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس، إلى مجموعة من الجوانب المرتبطة بـ”رسائل الاعتراف بمغربية الصحراء”، باعتبارها وثائق رسمية للمنتظم الدولي، مشيرا إلى أن “اعتراف كل من إسبانيا وإسرائيل وأمريكا وألمانيا وهولندا… بمغربية الصحراء هو انتصار للمقاربة الواقعية، وهو خروج واضح من المنطقة الرمادية، وهو احترام لتاريخ وجغرافية المملكة المغربية الضاربة في عمق التاريخ، التي لا تقبل التفاوض ولا تخضع للابتزاز أو المساومة”.

هذا نص المقال:

تاريخ الأعراف السلطانية وتقاليد المملكة الشريفة العريقة زاخرة بالعديد من المراسلات بين ملوك المغرب وملوك دول العالم في العديد من المحطات، لعل أبرزها الرسائل التي كان يحملها السفراء المغاربة في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي الرسائل التي أصبحت حافظة لفترات تاريخية حاسمة ووثائق تاريخية مهمة في قراءة أحداث تاريخية مفصلية.

وقد حافظت الرسائل الملكية المغربية أو للملوك والرؤساء على قوتها التاريخية وحجيتها القانونية، بل هناك من يعتبر الرسائل هي أعلى مراتب الديبلوماسية في التواصل بين الدول، خاصة وأنها تتضمن التزامًا وثباتا في المواقف.

لذلك، فلا يمكننا قراءة رسالة السيد “بنيامين نتانياهو”، الوزير الأول الإسرائيلي، إلى جلالة الملك محمد السادس يوم 17 يوليوز 2023 دون قراءة رسالة السيد “بيدرو سانشيز” إلى جلالة الملك محمد السادس يوم 14 مارس 2022؛ إذ تشترك الرسالتان معا في المضمون، أي الإعلان عن مغربية الصحراء وعن أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأقوى والأكثر جدية لحل نزاع مفتعل تسعى أطراف خارجية إلى عرقلة مساعي المنتظم الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام والأمن بالمنطقة ككل.

وإذا كانت رسالة سانشيز المتضمنة لاعتراف الدولة الإسبانية بمغربية الصحراء جاءت بعد لحظات فراغ سياسي بين الدولتين، خاصة بعد الاستقبال السري لزعيم الانفصاليين “بن بطوش غالي” في مستشفى إسباني، وكانت مناسبة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية بين البلدين ووقوف إسبانيا على أهمية قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمغرب، لتصل الرسالة إلى أن إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف، و هو الاعتراف الذي اعتبر مدخلا جديدا للعلاقات تُـوجت بزيارة السيد سانشيز إلى المغرب وتوقيع 20 اتفاقية في العديد من المجالات، وتأكيد رئيس الحكومة الإسبانية أن إسبانيا ستحترم التزاماتها وكلمتها، فإن رسالة الوزير الأول الإسرائيلي ليوم 17 يوليوز 2023 تجد أساسها في الاتفاق الثلاثي المغربيالأمريكيالإسرائيلي بتاريخ دجنبر 2020، حينها أعلنت الولايات الأميركية اعترافها بمغربية الصحراء وبسيادة المغرب الكاملة عليها.

وقد تطلبت إعادة العلاقات المغربيةالإسرائيلية أيضا المحافظة على التوازن في القضية الفلسطينية التي لها نفس مرتبة قضية الصحراء المغربية في أجندة ملك المغرب. لذلك، فإنه حرص على مكالمة رئيس السلطة الفلسطينية “عباس أبو مازن” في نفس اليوم مؤكدا أن “ترسيخ مغربيتها (الصحراء) لن يكون أبدًا على حساب نضال الشعب الفلسطيني”.

وسيرد المغرب على تحية (اعتراف) الوزير الأول “نتانياهو” بأحسن منها، من خلال رسالة ملكية جامعة مانعة ودعـوة لزيارة المغرب لتحديث العلاقات حسب الإحداثيات الجديدة التي أعلنها المغرب في خطاب الثورة لسنة 2022، بأن الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.

فهندسة الرسالة الملكية لشهر يوليوز 2023، لم تختلف عن غيرها، خاصة في اختيار مصطلحات قوية ودالـة، إذ توصيف قرار اعتراف الدولة الإسرائيلية بسيادة المغرب على صحرائه بـ”الهام”، والنظر إيجابيا في فتح قنصلية بالداخلة “صائب ومتبصر”، كان مقصودًا في دلالاته وفي عمقه.

فهو صائب لأنه قرار لم يخطئ الهدف لتوافقه مع السيادة الفعلية للدولة المغربية وروابط البيعة منذ عهود سلاطين وملوك المغرب، وهي عناصر ثابتة لا تقبل هوامش للشك.

وهو “متبصر” لأنه قرار حكيم بعيد النظر يتضمن رؤية مستقبلية إيجابية تتطابق مع الدينامية الإيجابية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية من إعلان اعترافات دول جديد ودعم قوي لحل سياسي نهائي على أساس مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية والترابية، بالموازاة مع فتح قنصليات عديدة بكل من العيون والداخلة.

لكن الإشارات التي لا تخطئها العين، امتدت أولًا إلى الدور الحاسم للروابط الإنسانية “العميقة” التي تجمع البلدين من خلال الجالية اليهودية المغربية بإسرائيل، سواء في مسلسل إعادة العلاقات الديبلوماسية أو في مراحل تطوير وتنويع مجالات التعاون والمبادلات التجارية وتبادل الزيارات المختلفة، وامتدت ثانيًا إلى التذكير بمضامين الاتفاق الثلاثي الموقع يوم 22 دجنبر 2020 وما تضمنه من مبادئ توجيهية لتسوية النزاع الإسرائيليالفلسطيني، وهو دليل قوي على الانشغال الحقيقي لرئيس لجنة القدس الملك محمد السادس بالقضية الفلسطينية، كما امتدت أخيرا إلى مَـهْـر الرسالة بالالتزام الشخصي الثابت والراسخ لرئيس الدولة المغربية لتعزيز الروابط بعد اعتراف “واضح” لدولة إسرائيل بمغربية الصحراء، الذي لقي ترحيبا واسعا من طرف الشعب المغربي ومن قواه الحية.

الأكيد أن زيارة الوزير الأول الإسرائيلي إلى المغرب بعد قرار الاعتراف “الواضح”، ستفتح آفاقًا جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، وستكون إضافة مهمة لتعزيز آفاق السلام لفائدة شعوب المنطقة التي تعرف تغييرات جيواستراتيجية قوية، منها المصالحة السعوديةالإيرانية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وعودة الدفء للعلاقات التركيالسعودية وبوادر نهاية الحرب باليمن.

فاعتراف كل من إسبانيا وإسرائيل وأمريكا وألمانيا وهولندا وغيرها بمغربية الصحراء، هو انتصار للمقاربة الواقعية، وهو خروج واضح من المنطقة الرمادية، وهو احترام لتاريخ وجغرافية المملكة المغربية الضاربة في عمق التاريخ، التي لا تقبل التفاوض ولا تخضع للابتزاز أو المساومة. لذلك، جاء التأكيد أن قضية الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى باقي العالم.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *