اخبار السودان

أولاد الربّابة  وكدا السودانية , اخبار السودان

خالد فضل

 

أولاد الربّابة  وكدا 

خالد فضل  

(1)

رمضان كريم ، وأوجه الحياة في السودان تعجّ بصور مختلفة ومتباينة وجميلة ، يعكر صفوها في الغالب الوجه السياسي غير الحميد ، ذات مرّة سألني أحد أصهاري من ذوي الطرافة والسخرية قائلا : أستاذ : إت نحنا ما ممكن نبقى ساي بدون رئيس ؟ تبسمّت وقلت له : أيوا ممكن والدليل أننا منذ العام 2009م قاعدين بدون رئيس ! ومن أوجه طلاوة الحياة السودانية ظاهرة غُنا الربّابة  فقد انتشر في الآونة الأخيرة نمط غنائي عذب مصحوبا بإيقاعات الربابة ، وسادت أسماء مغنيين مثل أبوالقاسم ود دوبا ، وبله ود الأشبّا  وغيرهم .

الملاحظ أن معظم هؤلاء المغنيين ينحدرون من مناطق ريفية في شرق النيل الأزرق جهات سنار ، وهذا يدل على سيادة هذا الضرب الغنائي الموسيقي في أوساط سكان تلك المناطق  ، ومن المحلية إلى القومية انطلقوا ، هكذا الموسيقى والغناء وسائر الفنون توحد وجدان الناس وتجعلهم أقرب لبعضهم بعضا ، كما أنّ التعارف الثقافي والتبادل مما يقوي من لحمة الوحدة الوطنية ويسمو بالناس فوق الإنتماءات الجهوية والمناطقية والعرقية .. ويا زول يا زول ، والأخدر البتحرن فوقو الديس مقرّن ، والدكتورة  و و و غيرها من أغنيات الشجن الربّابي تدغدغ الوجدان وترطب سخونة رمضان ! وتُنسي الناس الفلس والركود وغيرها من منغضات الحياة .

2

غُنا الطمبور يظل ملمحا ملحميا في سيرة التراث  الغنائي السودني ، وندّ فيه أساطين كبار شعرا وأداء، من منّا لم يسافر وجدانيا مع محمد كرم الله في رائعته بذكرك يا يمّه يا يمّه وكت الناس اجونا من البلد  .. إلخ  وصديق أحمد واليمني إلى جيل السقيد والنصري ، ولن أنسى ما حييت رحلتي الأولى في ديار الشايقية  مطلع القرن ، في مناسبة زواج زميلنا وصديقنا عمر خليفة _حياه الغمام أينما أقام وأسرته الكريمة _ كانت مروي شرق مقصدنا ، وفيها عشت عصرية حفرت في دواخلي عميقا وما تزال أصداء ذاك الطمبور الحنين والرقص البديع ،والطفلة التي لابد وقد صارت الآن سيدة فوق الأربعين من العمر ؛ كانت أعجوبة في الرقص والتوقيع على نغم  الطمبور ،انحازت لتوقيعها الحلبة كلها رجالا ونساء وانحاز لها المغني والشيّالة، وامتلكت تماما زمام الأمر نهيا وأمرا حركة وتوقف ،حتى خطفتها إحدى النساء من وسط الحلبة. قيل لنا إنّها خالتها (خافت عليها من العين) وحقّ لتلك الخالة الخوف، فابنة أختها كانت طفلة فنانة بصورة مدهشة !! وتوفر لغناء الطمبور شعراء مجيدون . و حميد واحد ممن سارت بأشعارهم أوتار تلك الآلة العجيبة   أجد نفسي منحازا للطمبور دون غمط حق الربابة .

3

أمّا أهازيج الكردافة ،  الجراري والمردوم ،ده كوم من المشاعر الحيّة   والألحان الخفيفة والكلمات البسيطة المعبرة والعابرة لكل الأعمار ،والجهات  وكيف لا وعبدالقادر سالم وعبدالرحمن عبدالله  وموسى أبا وصالح الضي وغيرهم ممن شنّف الآذان بأعذب الألحان وانسربت كلماتهم وموسيقاهم إلى ذرات كل وجدان ، وصديقنا طارق الشيخ يدوزن اللحن ذات صفاء بهيج في كلية التربية جامعة الخرطوم،والزمان مطالع القرن الحالي : الصغيرون عليك الله جر التوي علينا مرّة أنا يا عريس .. قال إن تلك الأغنية تؤدى ويضيف عليها أهل كل منطقة من مفرداتهم على نسق إيقاعي منتظم مصحوب بالرقص الجماعي ، إنّها كردفان يا صاح وأكرم بها من رفقة ماجدة نساء ورجال وتعددية فاقعة الألوان وثراء ثقافي  لا يضارعه ثراء ، من جنوبها لشمالها ومن شرقها لغربها ، وانس في خضم تلك العذوبة الأخبار المنغصة وحروبات القبائل وفتن السياسة، وأنعم بتلك الصحبة الوجدانية والروحانية وكن (كردفاني) الهوى !! والمهندسة إنصاف فتحي ذلك الصوت الذي لا يستأذنك الدخول والتوهط في كبد العصب الحي ، ترسل من أنغام التراث الغني ما يجعل نهار رمضان غمامة وسحابة ورشة خفيفة تبلل الأبدان، وهذي البنيّة الموهوبة تعود بك إلى : مرة مرة يا نسيم السحر جيب لي من شاطئ البحر  ،طوف الخبا وجيب لي من أم در عبير ذاك النحر .   فلا تملك ؛ وقد مضت سنوات العمر موغلة في البعاد،سوى أن تشهق ( أم درمان عشق من تاني !!)

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *