اخبار

نفي الفلسطيني , دمج الاسرائيلي ..

بقلمً: د.أحمد رفيق عوض رئيس مركز الدراسات المستقبلية / جامعة القدس

هذه المصطلحات الشائعة تزعجني بحق مثل (كرامة الفلسطيني او تحسين شروط حياة الفلسطينيين او خطوات احادية الجانب او اجراءات ملموسة من اجل ابقاء حل الدولتين قائمة) هذه المصطلحات المدورة , الزلقة , الضبابية , و الاحتمالية , لا تخيفني فقط بل صرت ارى فيها وعيا سياسيا مقصودا للالتفاف او التهرب او الخشية من وصف الاحتلال و ادانته و محاصرته , صرت ارى فيها تعزيزا و تكريسا للاحتلال و رضى عنه , اي ان هذه المصطلحات لا تريد ان تقول ان هناك احتلالا استعماريا طاردا يتم فيه عملية نفي للشعب الفلسطيني عن ارضه , و ليس هذا فقط و انما يتم انزال الشعب الفلسطيني عن الخارطة السياسية و المشهد التاريخي , ان الخارطة التي عرضها نيتنياهو في الامم المتحدة مؤخرا ولا تظهر فيها حتى الخطوط الوهمية لما يسمى بالخط الاخضر الذي من المفروض ان يفصل بين اراضي 1967 و اراضي 1948 , ان هذه الخارطة المشار اليها تمثل فعليا النسخة الاخيرة من الرؤية الاستراتيجية المتدحرجة للفكر الصهيوني التوراتي الحاخامي التي لا تتضمن دولة للفلسطينيين ولا حتى اعتراف بوجودهم اصلا , فلكلام يدور عن جماعات اثنيةمتفرفة و ليس شعبا متماسكا له حقوق جمعية سياسية و تاريخية و حقوقية , الرؤية الاسرائيلية الاخيرة تتعامل معنا باعتبارنا بدوا و عشائر فلاحين مستعدة للتذابح على كل شيء , و كتل بشرية متعددة الاعراق و المنابت و الاصول تجمعت في هذا المكان بصدفة , و يمكن لقليلا من الجهد و السياسة الحكيمة اللعب بها و التحكم في تصرفاتها و العبث بقراراتها و ابتزازها و اخضاعها من خلال التفريق بينها بالعطايا و المزايا و الرشاوى و المنح و اختلاف المصالح . 

ان نجاح ظاهرة القتل في المجتمع الفلسطيني داخل مناطق 1948 و عدم توقفها بل و اشتدادها بهذا الفجور و هذا السفور , حتى صار القتل يجري امام الكميرات , يعني ان الاجهزة الحكومية في اسرائيل و من يقف وراءها يحول هذه الظاهرة المتعمدة الى عصا غليظة للتحكم و لاجهاض القوى الحية و ضرب احتمالات التوحد او تغير الاتجاه , و يبدو ان اسرائيل تنقل التجربة بشكل او باخر الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 , ما رايناه مؤخرا في عدد من المواقع في الضفة المحتلة يجعلنا نضيء عشرات الاف المصابيح الحمراء امام كل قوانا السياسية و المجتمعية لوقف الظاهرة و ووأدها قبل استفحالها . 

ان احد اهم اسباب فشل الثورة الفلسطينية الكبير عام 1936 هوالشقاق العائلي و الانقسام الحمائلي و ضياع الولاءات و اختلاف التحالفات . 

و اعود الى اسرائيل و رؤيتها الاخيرة للصراع الاسرائيلي الفلسطيني , فاسرائيل فعليا تسقط من حساباتها وجود الشعب الفلسطيني و تتصرف على هذا الاساس من خلال ما يلي : 

اولا: انها تريد ان تحرم الفلسطينيين من حق النقض من اي اتفاق تطبيعي مع كل جهة عربية , باعتبارهم وجودا لا اهمية له و غير مسئولة عن حياته او مستقبله . 

ثانيا: انها تريد اعادة انتاج الاحتلال بما يضمن عدم وجود  دولة فلسطينية من جهة و خضوع الشعب الفلسطيني التام للترتيبات الامنية الاحتلالية من جهة ثانية , اي انها تحاول اعادة انتاج وضعين في أن واحد , شرعنة الاحتلال من جهة و صياغة ديموغرافية جديدة للشعب الفلسطيني , و هو ما تحاول تمريره في كل خطة او مبادرة اقليمية او دولية . 

ثالثا: اوقفت اسرائيل التفاوض مع الشعب الفلسطيني منذ عام 2012 بحجة غياب الشريك , و غياب الشريك و هو مصطلح يجد قبولا لدى اطراف كثيرة , معناه عدم وجود شعب اصلا ليتم التفاوض معه ولا يخفى على احد ان وقف التفاوض بهذه الحجة هي نية علنية اسرائيلية على عدم الرغبة في تقديم ما تسميه اسرائيل (تنازلات) , و بالمناسبة فان اسرائيل فرضت على العالم فكرة انها تقدم تنازلات وكانها تقطع من لحمها الحي و نسيت ان عليها تقديم استحقاقات لانها قوة احتلال . 

رابعا: توقف الضغط الدولي و الاقليمي الى حد كبير على اسرائيل للدخول في تسوية مع الشعب الفلسطيني كله , بل تحولت المطالبات الخجولة الى ما يسمى الى اعادة التهدئة و تحسين الشروط الحياتية . 

خامسا: لا يتم الكلام عن انهاء الاحتلال بل يتم تسويغه و التكيف معه , و عمليات التطبيع المختلفة تقوي هذا التوجه ايضا , بمعني ان التطبيع في مجمله لا يشترط انهاء الاحتلال , و من هنا خطورة نفي الفلسطيني مقابل دمج الاسرائيلي . 

ان بقاء الاحتلال على الارض الفلسطينية سيمنع ميلاد دولة فلسطينية حرة و مستقلة , و ما يعزز هذا الاتجاه ان شعار حل الدولتيين اصبح شعارا يخفي تحته الكثير من الوقائع التي تنسفه تماما و تحوله الى احلام . 

سادسا: من عام 1967 و حتى اليوم تغير مفهوم التسوية , فمن تطبيق قرارات الشرعية الدولية الى الارض مقابل السلام الى اقامة سلطة تحت احتلال الى تمرير الاحتلال و شرعنته من خلال عمليات الاعتراف و الدمج وصولا الى انكار وجود الدولة و الشعب الفلسطيني و الكلام الان فقط يدور عن جماعات فلسطينية متفرقة متعادية و متقاتلة لا تحتاج الا الى صياغات امنية و اقتصادية محكمة بحل مشاكلها و ضبط امورها . 

هذا هو الحال براينا اما الحل فلا يخفى على عاقل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *