
واصل الذهب محاربة الرياح المعاكسة خلال الربع الثالث متراجعًا بنسبة 6.15%، كانت المحفزات التي من المفترض أن تعزز قيمته غير قادرة على دعم المعدن الأصفر خلال أشهر الصيف بفضل قوة الدولار الأمريكي.
ونظرًا لكونه وسيلة تحوط ضد التضخم كافح الذهب بقوة للاحتفاظ بأي مكاسب خلال فترة الثلاثة أشهر، ولكن مستويات التضخم القياسية وعدم الاستقرار الجيوسياسي لم يقدما أي دعم للمعدن، على الرغم من أنه غالبًا ما يتم شراؤه في أوقات عدم اليقين.
بدأ سعر الذهب في الربع الأول عند 1809.30 دولار للأونصة واستمر في صعوده حتي وصل في منتصف مارس بالقرب من أعلى مستوياته على الإطلاق عند 2074 دولار للأونصة التي سجلها في أغسطس 2021، ومع بداية الربع الثاني حتي نهاية الربع الثالث اتخذ الذهب منحني هبوطي، لتصل الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال عامين بنهاية سبتمبر عندما انخفضت إلى 1620.30 دولار.
على الرغم من أن الرياح الخلفية التي عادة ما تدفع الذهب للأعلى كانت في مكانها، إلا أن السياسة النقدية المتشددة للبنك الاحتياطي الفيدرالي ورفع سعر الفائدة وقوة الدولار الأمريكي طغت على المعدن، وقد أظهر الدولار الأمريكي أفضل أداء له منذ عام 2002، ففي أواخر سبتمبر سجل مؤشر الدولار الأمريكي (الذي يزن الدولار مقابل سلة من العملات العالمية الأخرى) أعلى مستوى له خلال 20 عامًا عند 114.78 نقطة، يميل الذهب والدولار الأمريكي إلى أن يكون لهما علاقة عكسية، وكان هذا الأمر ساري المفعول في الربع الثالث.
القيم ثابتة على الرغم من الضغوط التضخمية
كان رد الفعل المتوقع للمعدن الأصفر تجاه قوة الدولار بمثابة مفاجأة متوقعة لمراقبي السوق، ومع ذلك، كان أداء الذهب المخيب للآمال وسط العديد من الرياح الخلفية التقليدية غير متوقع، وكان أبرزها هو التضخم السريع الذي شهدناه في النصف الأول من عام 2022، حيث وصلت تكاليف الطاقة والغذاء والنقل إلى أعلى مستوياتها في أربعة عقود نتيجة لتحفيز الوباء النقدي واضطرابات سلاسل التوريد والحرب الروسية الأوكرانية.
كما ذكرنا سابقًا، يعد التضخم وعدم اليقين من العوامل المحفزة الرئيسية لأسعار تداول الذهب ولكن كما أوضح رئيس منطقة الأمريكتين في مجلس الذهب العالمي ” جو كافاتوني” أن الذهب وجد نفسه محاصرًا بين قيم عامي 2020 و 2021، وأضاف أن “ما رأيناه في بداية العام كان قضية منهجية أخرى، حيث أن عدم اليقين بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا دفع الذهب إلى منطقة عودة إيجابية في الربع الأول من العام”، في الواقع سجل الذهب أعلى قيمة له على الإطلاق في 8 مارس عندما تجاوزت المستويات 2074.60 دولار، وتابع قائلًا “لكن السياسة المالية النقدية المتشددة والتحول في الأسعار لمحاولة إدارة الضغوط التضخمية التي لدينا بدأت في طرح رياح معاكسة.
زيادات أسعار الفائدة تمنع النمو
مع استقرار التضخم في الولايات المتحدة عند 8% تقريبًا من أغسطس حتى سبتمبر، شهدت المملكة المتحدة ارتفاعًا في التضخم فوق 10% في يوليو وظلت في نطاق 9% منذ ذلك الحين، ولكن منطقة اليورو لا تزال تشهد ارتفاع متسارع في مستويات التضخم.
دفعت الضغوط التضخمية العالمية البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو الأكثر مراقبة على الإطلاق فقد رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية خمس مرات بين يناير وأكتوبر ليصل الهدف إلى 3% إلى 3.25%، تزامنت أحدث زيادة في سعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي مع انخفاض الذهب في نهاية الربع إلى 1698.10 دولار في نهاية سبتمبر.
لقد ترك موقع الذهب كوسيلة تحوط ضد التضخم الكثيرين يتساءلون لماذا لم يكن أداؤه إيجابيًا، وهو الأمر الذي ينسبه رئيس الأبحاث في مجلس الذهب العالمي “خوان كارلوس أرتيجاس” إلى تكلفة الفرصة البديلة، وأوضح أن هناك أربعة محركات رئيسية للذهب: التوسع الاقتصادي والمخاطر وعدم اليقين وتكلفة الفرصة البديلة والزخم.
وقال: “في الأشهر الأخيرة كان على الذهب أيضًا أن يتعامل مع تكاليف فرصة أعلى بكثير، سواء من خلال الزيادة المستمرة في أسعار الفائدة ودولار أمريكي قوي هو الأعلي في 20 عامًا”، “لقد عوض هذا عن بعض الدعم الذي حصل عليه الذهب من زيادة المخاطر وعدم اليقين الذي يأتي من التوترات الجيوسياسية.”
وتطرق الباحث أيضًا إلى سبب عدم إضافة التضخم قيمة للذهب، حيث قال: “أن التضخم المرتفع كان أيضًا عاملاً مساهماً، لكن تأثيره كان أكثر خفوتًا نظرًا لأن ليس كل المستثمرين ينظرون إلى مخاطر التضخم بالطريقة نفسها”، ويتضح هذا من خلال الاختلاف الصارخ بين مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي وتوقعات التضخم طويلة الأجل التي ينطوي عليها سوق السندات.
بحلول 30 سبتمبر كان الذهب قد انخفض بنسبة 5.7% عن يناير، وبرغم ذلك لا يزال الذهب أفضل بشكل ملحوظ من كلا المؤشرين الرئيسيين في الولايات المتحدة (مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر ناسداك) اللذين انخفضا بنسبة 20% أو أكثر في نفس الإطار الزمني.
قال أرتيجاس: “في الواقع، لقد تفوق الذهب على معظم الأصول الرئيسية حتى الآن في عام 2022، بما في ذلك السندات المرتبطة بالتضخم في كل من الولايات المتحدة وأماكن أخرى”، وأضاف “إن حقيقة أن الذهب قد حقق أداءً جيدًا أفضل من غيره هو دليل على جاذبيته العالمية ورد فعل أكثر دقة لمجموعة أوسع من المتغيرات.”
المنتجون يشعرون بأزمة التضخم
بالنسبة لشركات تعدين الذهب كان الانخفاض الكبير في المعدن الثمين من أعلى مستوى له في الربع الأول إلى أدنى مستوى له منذ عام حتى تاريخه مؤثرًا، لا سيما عندما يقترن بارتفاع تكلفة الطاقة والنفقات العامة.
قال الرئيس التنفيذي لشركةNewcrest Mining لتعدين الذهب ” سانديب بيسواس”: نواصل مراقبة تأثير تضخم التكلفة، وفي حديثه عن السنة المالية 2023 للشركة علق قائلاً: “نحن نقدر أن الضغوط التضخمية ستزيد قاعدة التكلفة لدينا بين 6% إلى 8%، على الرغم من أن توقعات التكلفة على المدى القصير لا يمكن التنبؤ بها بشكل واضح”، تخطط Newcrest وهي واحدة من أكبر 10 شركات منتجة للذهب في العالم لاستخدام الولايات القضائية لمشاريعها لصالحها للمساعدة في مواجهة الضغوط التضخمية.
وقال بيسواس “من منظور جغرافي نتوقع أن تكون الضغوط التضخمية أقل في مواقعنا الكندية، مدفوعة إلى حد كبير بالمواد الاستهلاكية والصيانة وقطع الغيار، ونتوقع أيضًا استمرار الضغط على تكاليف رأس المال لدينا نظرًا للمنافسة على العمالة من مشاريع البنية التحتية الأخرى في جميع الولايات القضائية وارتفاع أسعار الصلب.”
هل يمكن للذهب الاحتفاظ بقيمته؟
بعد إنهاء الربع الثالث عند مستوى 1660 دولار تسلل الذهب إلى أعلى ليستقر فوق 1700 دولار أمريكي، لهذا من الصعب تحديد ما إذا كان المعدن سيستمر في الاتجاه صعوديًا أو هبوطًا، مما ينصح الكثيرين المشاركين في السوق للبقاء حذرين.
في بداية شهر أكتوبر أشار البنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى إلى التزامه بالتغلب على التضخم مع استمرار رفع أسعار الفائدة، كما صرح العديد من مسؤولي السياسة النقدية بضرورة الاستمرار في رفع سعر الفائدة حتي التغلب على التضخم، من المحتمل أن تتجاوز المعدلات 4.6% العام المقبل لذا فإن قدرة البنك الاحتياطي على خفض التضخم دون التسبب في ركود (أو ما هو أسوأ من الركود التضخمي) أصبحت ذات أهمية متزايدة.
بالنظر إلى المستقبل، بينما نتوقع أن تستمر أسعار الفائدة والدولار الأمريكي في التأثير على أداء الذهب، إلا إننا لا نزال متفائلين بحذر، نظرًا لمدى التشديد الذي حدث حتى الآن بما في ذلك الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والبنك الوطني السويسري نتوقع أن تتباطأ السياسة النقدية، مما يسمح لبعض الدعم الآخر للذهب، ومن جهة أخري، إن الموقف الدفاعي للبنوك المركزية بصرف النظر عن البنك الاحتياطي الفيدرالي يهدف جزئيًا إلى كبح جماح التضخم وأيضًا للدفاع عن عملاتها الأمر الذي من شأنه أن يثقل كاهل الدولار الأمريكي بما قد يدعم الذهب.