اخبار السودان

في نقد خطاب خلط المفاهيم

مفهوم التحالف مع الشيطان ضد الكيزان

في مقال ل قصي حمور على الفيس بوك وصف الذين يستعملون عبارة “نتحالف ضد الكيزان حتى مع الشيطان” “بالانهزامية واليأس وضياع الحيلة وعمي البصيرة وضيّق الأفق”. ويذهب حمور ابعد من ذلك في حكمه ليقول “وهم بذلك في أحسن أحوالهم انقلبوا تلاميذ للميكافيلية الظلامية … وذلك تحالف لا رجعة منه، ومن يمشي في خطه لا يمكن أن يقدم مشروعا بديلا، بنّاءً ، خلّاقا ، عادلا ، جميلا “، ولكنه أيضا يقول في التحالف مع الشيطان “إذ هي ثمرة لتضخيم الظن بالكيزان وتصويرهم تصويرا أسطورياوكأن هؤلاء بحاجة لعدو أسطوري كيما يبرروا به فشلهم المريع في هزيمته.”

ونعترف أن كلام حمور هذا قد مس بعض من ذواتنا التي لا تطيق وتحتمل تطرف أيدلوجيا الدين وسلوك الكيزان والفلول وليس أية من شخصوهم الماثلة.

من الثلاثة اقتباسات أعلاه يمكننا استخلاص تصوران للشيطان في عقل حمور: الشيطان كتعبير مجازي لغاية السوء والشر، والشيطان كحالة وجودية موازية لبشر الكيزان. وبهذا يكون حمور قد وقع في التباس خطاب المجاز لتوصيف حالة الواقع. فمرة يتحالف “تلاميذ الميكافيلية الظلامية” مع الشيطان في حالته الوجودية ، ومرة أخرى يتحالفوا معه ككائن أسطوري ، غير واقعي ، تصعب هزيمته.

في واقع حال كل من ينكر عوالم ما وراء الطبيعة ، ليس هناك ما يسمى بالشيطان. فالشيطان ، في حقيقة الواقع ، ليس أكثر من تعبير مجازي لغاية السوء والشر في حين أن الكيزان حالة وجودية من بشر يمشون في الأرض بكل أنواع الخداع والشر المستطير. أما مفهوم الكوز (مفردة كيزان) الذي يفترض أن يَعُبَّ من بحر التقوى والإيمان ، فقد تبلور في عهد حكم الإسلاميين ليعني كل من عب من غيض الكذب والغش والفساد باسم الدين، ليتطور ويصبح أكثر تعميما فيشمل كل عمل كذب وغش وعمل عملا سيء شرير بغض النظر عن مقدار إيمان أو تقوى فاعله. وبالطبع ، في هذا السياق يكون الوصف بالكوز أكثر دقة ومصداقية إذا كان الموصوف مرتبطا بالسلطة المتجبرة ، الفاسدة التي أوجدها حكم الإسلاميين منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت.

لا شك أن الذين تبنوا مقولة التحالف مع الشيطان ضد الكيزان عنوا أنه “لا شر أعتى ولا أولى من الكيزان ” كما فسر قصي حمور في مقاله ، لكن يكون ذلك التحالف في إطار خيارات ثنائية الواقع الرديء الذي كله شر. وعلينا أن نرى واقع الحرب الدائرة الآن في بلاد السودان ، والذي فيه يكون احد الأحكام الأخلاقية هو الخيار بين شر حكومة البرهان وداعميه من رهط الفلول وكتائب البراء والظل والداعشيين ، وشر قوات الدعم السريع وما بها من متفلتين وقتلة ومجرمين. وبين هذين الخيارين الرديئين ، يكون قياس الشر هو الشر الأسواء من الشر نفسه.

كذلك ، لكي نكون عادلين في تحميل المسؤوليات ، علينا أن نعرف أننا  لا نساوي مسئولية فرانكشتاين بأفعال وحشه الكاسر ، فمن حمل وانجب جنينا يحمل ملامح سوءة وشروره يكون مسؤولا عن ذلك الشر كله لأنه من عين جنسه وخلقه. فالحرب ، وقبلها كل الفظائع من قتل وتعذيب وتشريد ونروح في جنبات السودان الأربع تقع مسؤوليتها كلها على الكيزان ورهطهم من العسكر والفلول ومن ولاهم من اجل والجاه والسلطان من منافقين وانتهازيين.

بهذا نأمل أن يضع هذا الحكم المفاهيمي البسيط الحد الفاصل بين جنس الأشرار القليلين الذين وصفناهم أعلاه بالكيزان والفلول ، وبقية جنس الخيرين ، الأنقياء من الشعب السوداني بكل سنحه وملله وأحزابه وطوائفه ، لكن ما زلنا في إنتظار إجابة لسؤال أديبنا الطيب صالح “من أين أتى هؤلاء”.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *