اخبار السودان

فشل في الحرب فشل في السلام السودانية , اخبار السودان

خالد فضل

 

فشل في الحرب فشل في السلام

خالد فضل

والعالم كله ينادي لا حسم عسكري للصراع في السودان، من الداخل انطلقت الأصوات الوطنية المخلصة التي قلبها وعقلها على السودان، قوى الثورة بأجمعها حرية وتغيير، لجان مقاومة، جذرييون، نشطاء مجتمع مدني…الخ. السودانيين في المهاجر والمتافي والملاجيء، في أقبية النزوح، في عرض البحار وسط الأمواج على السنابك ينادون جميعاً لا للحرب وخيارها المدمر، دول الجوار، الإيفاد، الاتحاد الأفريقي، الجامعة العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الترويكا، الرباعية، الوسطاء، الخبراء جميعهم يقولون ذات الكلمات بمختلف الغات لا حسم عسكري للصراع في السودان، فمن ذاك الماجد من بني السودان الذي يعلم فوق علم العالمين إلا أن يكون مغروراً أو أبلهاً لا يعي فيردد نعم للحسم العسكري، أو مأجوراً يتقاضى ثمن تطبيله للحرب وتحريضه عليها، أو مغبوناً يتصور أن ملكا قد نزع منه، أو إرثاً من أبيه قد حجب عنه، أو ملكية خاصة قد تم تأميمها عنوةً، هؤلاء هم وقود الحرب الكريهة، هم أساطينها وروادها وما من صاحب ضمير حي على العموم يحب أن يكون في هذا الموضع.

إن تاريخ الحروب في السودان ممتد بعقود الاستقلال التي لامست السبعين عاماً، وكل هذا التاريخ الممضِ شهد فشلاً ذريعاً في الحسم العسكري لكل الصراعات الدامية التي كان الطرف الأساسي فيها الجيش السوداني مع الأسف ضد نفر من السودانيين في جهات الوطن كلها تقريبا، ومع ذالك لم ييأس أباطنة المؤسسة السودانية العسكرية من الحسم العسكري، السجل حافل بلغة السحق و الويل والثبور للمردة والشياطين من المناوئين يكون ذالك عادة في أول الصراع وفي أوسطه أما آخر كل حرب في السودان فكانت اتفاقية سلام يذعن فيها المتشددون والرافضون لأسوأ مما كان يتطلبه الأمر في أوله، ومع ذالك يعاودون الكرة كل مرة وفي كل مرة تزداد قسوة الشروط، حدث ذالك مع الجنوب في أنانيا الأولى وأنانيا الثانية فمن مطلب الفيدرالية على أول عهد الاستقلال إلى الحكم الذاتي في اتفاقية أديس أبابا إلى تقرير المصير في نيفاشا كانت هذه تبعات اتفاقية السلام التي فشل الحكام العسكريون في فرصها المتاحة لتجاوز الكارثة وتجنيب شعبهم وبلادهم ويلات الحروب إذ سرعان ما تندلع الحرب في قعر كل اتفاقية سلام، ثم انفصل الجنوب تماماً أراح نفسه من نقض العهود والمواثيق واصابه القنوت من وحدة وطنية تكفل للإنسان حقا وترعى فيه تطلعات العيش الكريم، حدث ذالك مع اتفاقات دارفور التي أفرغت كلها من مضامينها، فعاد مني أركو مناوي يتشكى من أنه مساعد حلة وأن اتفاقية أبوجا قبرت مع مجذوب الخليفة في طيبة الخواض وعاد يمتشق بندقيته ليحارب، وفي حربه الأخيرة ظهر له بعبع جديد من رحم القوات المسلحة اسمه قوات الدعم السريع التي قال قائدها ذات مرة انه طرد المتمردين من السودان إلى ليبيا ليشتغلوا هناك كمرتزقة في الحروب الليبية المستعرة أما اتفاقية الدوحة فقد انتهت إلى سراب وتلاشت الوديعة الفطيرة إلى الجيوب الشرهة للدولار والريال بحسب ما صرح به د. تاج الدين نيام أحد الموقعين على تلك الوثيقة، إنه فشل في السلام تحت الحكم العسكري، عاد مني وجبريل وآخرون محمولين على اشرعة الوعد بوطن جديد وأكف الثوار وحناجرهم تهتف كل البلد دارفور يا عنصري ومغرور كان ذالك جواز العبور لسودان جديد ما فيو عرق ما فيو عنصرية ما فيو قبلية عواليق نخليها كما غنى المغني الشاب بحق، أسمتهم الثورة قوى الكفاح المسلح عوضا عن الدمغة العسكرية الثابتة عملة وخونة ومتمردين، بعضهم رد التحية للثورة والثوار وانحازوا لقوى السلام ورفض الحرب و بعضهم استمرأ الوظيفة ولو كانت شقة في بورتسودان، إنه فشل في الحرب وفي السلام.

الآن تتحول الحرب المستعرة منذ 15 أبريل من العام الماضي إلى طور كارثي باستنفار القبائل واستنهاض المناطق وعسكرة المدنيين ليكونوا وقودا لحرب عبثية خاسرة كما أسماها قائد الجيش وقائد الدعم السريع، تتمدد رقعتها لتغطي عشر ولايات وتحاصر الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر ومع ذالك ينهض من يقول لا للسلام نعم للحرب، فهل هو وباء مسلط على السودان أم هو تدبير رباني يريد بنا خيراً بعد هذا الشر المستطير بأن يفنى والى الأبد دعاة الحروب في السودان مشعولوها وتجارها والمتكسبين من ريعها الحرام، أم هو قصور في الوعي يجعل من السذاجة زاداً بتقوى به دعاة الحرب ووقودها ولو كانوا في الفلاة على ظهور الحمير، مساكين هؤلاء المدنيين الذين يستجلبون بنداء القبيلة أو المنطقة ليكونوا دروعا بشرية تقضمهم آلة الحرب وتشوي أجسادهم النحيلة ليكون فلان حاكما وعلان وزيرا وذاك مستثمرا وهم في فقرهم يعمهون وبأسمالهم يتسربلون عدمانيين من جنس حكيما ولا خبيرا للمشروع كما قال الراحل حميد، لا للحرب نعم للسلام، لا للتخلف نعم لتقدم.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *