اخبار السودان

ها هي الأرض تغطت بالحرب

خالد فضل

فى إحدى روايات الكاتب السوداني عبد العزيز بركه ساكن وفي صفحة الاقتباسات التي يثبتها بعض الروائيين أحيانا في صدر رواياتهم، أورد مثلا من عند قبيلة الفلاتة (السودان ارض التعب). ومن قبل غنى مصطفى سيد احمد لأبي القاسم شمو ها هي الأرض تغطت بالتعب ….الخ.

الآن أرض السودان تغطت بالحرب بعد أن دهمت نيرانها العاصمة الخرطوم، وعندما تلتهم النار الخرطوم يعني أن كل الجسد الوطني بجهاته وأعراقه وكل تعددياته المعروفه قد مسها شظى من لهب.

لقد تحققت بالفعل المقولة الرائجة عن الخرطوم بانها كرش الفيل وانها تمثل بحق وحقيقة كل السودان، هى في الواقع بلد مصغر عن الوطن الكبير هذا من ناحية بشرية ومن خطل السياسة السودانيه منذ الاستقلال على الاقل أن الخرطوم صارت بالتدريج هى السودان كله، وإن كانت هنالك عظة ودرس يستفاد من حرب الجنرالين الانقلابيين البرهان وحميدتي وما أصاب الخرطوم من دمار هائل بسبب هذه الحرب وبعد أن عاش الناس فيها تجربة القتل والترويع والاغتصاب والنهب والسلب وكل هذه الانتهاكات يتحمل وزرها الطرفان المتحاربان غض الطرف عن من الذي ابتدأ الحرب، اتصور أن أكبر درس هو ضرورة التفكير الجدى في إعادة بناء السودان على أسس جديدة تضمن تفكيك المركزية الخانقة وما جلبته من صراع مميت وتكالب حول السلطة والثروة وتكديس معظم الخدمات في منطقه واحدة هى العاصمة.
آن الأوان للمواطنين في كل ولاية ان يفكروا في جدوى تركيز كل جهودهم في العاصمة الخرطوم، لماذا لا تنشأ الصناعات في كل ولاية تبعا لتوفر الامكانات ، لم لا تقوم الشركات الكبرى بتأسيس فروعها الرئيسة في كل الولايات وهكذا لبقية الخدمات

وقد يقول قائل ان سبب تكدس الناس في الخرطوم هو انعدام التنمية في كل الاقاليم وقد ثبت عمليا ان مصطلح التنمية نفسه يحتاج الى اعادة فهم في السودان، فهل توجد تنمية في الخرطوم!.

لقد دل السلوك الهمجى الذي ساد خلال فترة الحرب كشف عن روح بدائية وتخلف يبدو انه شامل مع الاسف ولا استثنى احد كما في قول صديقنا مظفر النواب.

إذن لم تكن الخرطوم سوى هذا التجمع الهائل من البشر يصحبه تكالب شره على الاستحواذ والتسلط وبانهيار الخرطوم عادت البلاد فعليا الى مرحلة ما قبل الدولة  وعجزت شركات الكهرباء والمياه والاتصالات والبنوك مثلا عن الانتظام في تقديم خدماتها للمواطنين في كل أنحاء السودان، بل ان بعضها فشل في تحصيل رسوم خدماته.

مرة أخرى تصح الفكرة التى يقدمها برنامج الحركة الشعبية بقيادة الحلو حول نموذج التنمية المستقلة المرتكز على فدرالية حقيقية تمنح معظم السلطات وبالتالى الثروات للمواطنين كل في ولايته او اقليمه، وهذا يخفف من نزعات الهيمنة المركزية ، ويجنب البلاد مستقبلا هذا التهافت على السلطة وبالتالى وأد اهم عنصر محرك للحروب في البلاد.

لقد عاد مئات الالاف من السودانيين الى مناطقهم وقراهم ولاذ مثلهم بالفرار طلبا للجوء في دول الجوار وحتى في رواندا ، هؤلاء الذين فروا من الخرطوم كان معظمهم قد توافد اليها من الاقاليم فيما يشكل السكان الاصليون في الخرطوم النسبة الاقل.

ولعله من الطبيعى فى بلد مثل السودان يوصف بالثراء في الموارد الطبيعية ان تكون هذه الموارد مصدر رزق لمواطنى كل اقليم على ان تحدث عمليات التكامل الطبيعية فيما بينها وتتحدد نسبة مشاركة الولايات في الميزانية الفدرالية تبعا لحاجاتها من المركز وليس كما هو حادث منذ الاستقلال بحيث تظل الاقاليم رهنا لما يجود به المركز من فتات او مايعرف بالتنمية المختلة.

حتما سيفيق الناس على واقع جديد ابرز سماته الغياب المادى والمعنوى للخرطوم فهل ستظل افئدة الخرطوميين الفارين معلقة باطلال الجدران خاصة في المناطق والاحياء التى شهدت افظع عمليات النهب والتخريب لكل المقتنيات ام ان وعيا جديدا لابد سيتشكل بضرورة استئناف الحياة في الاقاليم ، وهذا يتطلب ارادة حقيقية للتغيير خاصة في مجال القوانين التى تمنح المركز سلطات شبه كاملة على مجمل الاقاليم، وبالطبع ودون تحميل الاجيال السابقة الخطأ الاساسي في المركزية القابضة.
ان حرب 15 ابريل بكل فظاعتها ينبغي ان تكون نقطة تحول كبرى في تاريخ السودان، ومن اهم ما يتوقع ان يكون قد فهمه السودانيون جميعا هو ان الحرب لم ولن تكن هى الخيار الناجع لمعالجة قضاياهم المعقدة.

ان فرضية اعادة بناء الدولة بالتراضي وستشكل في تقديرى الفكرة المركزية لانهاء الحرب الدائرة الان ووأد مسببات الحروب في المستقبل، فقد طال الضرر الجميع دون استثناء، وبكل تاكيد لم يجن احدا ثمرا غير الحنظل.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *