اخبار المغرب

ندوة تلامس العقيدة الدبلوماسية المغربية

في إطار انفتاح كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة على محيطها الخارجي عبر مواكبة وتتبع القضايا التي تشغل بال الرأي العام الوطني والدولي، وبتنسيق من قبل محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، نظم مختبر الأبحاث في القانون العام والدراسات القانونية والسياسية بالكلية ذاتها، بشراكة مع مؤسسة “عبد الواحد القادري”، بالمركب الثقافي عبد الحق القادري بالجديدة، ندوة علمية تحت عنوان: “مواقف القوى الكبرى تجاه ملف الصحراء في ظل المتغيرات الراهنة.. ومقومات العقيدة الدبلوماسية المغربية”، بمشاركة أساتذة من كلية الحقوق بالجديدة والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالمدينة ذاتها.

وافتتح عادل فراج مداخلته المعنونة بـ”النفود الصيني داخل القارة الإفريقية وتأثيره على قضية الصحراء” بالتأكيد على أهمية قضية الوحدة الترابية، باعتبارها موضوعا يهم جميع المواطنين المغاربة، ويشكل مجالا بحثيا بامتياز يشترط في الباحث قدرا كبيرا من الموضوعية في الطرح والتحليل، منطلقا من مجموعة من التساؤلات الكبرى من قبيل: ما هو الخطاب الذي تستعمله الصين للدخول إلى إفريقيا؟ وما هو أثر هذا التدخل في إفريقيا؟ كيف تتدخل وما هي آلياتها ووسائلها في ذلك؟ ثم لماذا هذا التنافس والسباق حول إفريقيا؟.

وفي تعاطيه مع هذا الموضوع تبنى فراج مقاربة تجمع بين الجغرافي والسياسي، معززة بمجموعة من الإحصائيات، التي تبرز مكانة إفريقيا في العالم وتفسر سبب التسابق على اختراقها، حيث إنها تحتوي على 30 بالمائة من المعادن و8 بالمائة من احتياطي الغاز في العالم و40 بالمائة من احتياطي الذهب و65 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة، إضافة إلى أن 85 بالمائة من تجارة البضائع تمر منها. وهو ما جعل الصين تتبنى توجها يسعى إلى خلق نوع من التقارب مع إفريقيا، وبناء علاقات جيدة مع بعض الدول الإفريقية. أما فيما يخص الآليات والوسائل التي تعتمدها الصين في توسيع نفوذها بإفريقيا فهي تتخذ بعدا اقتصاديا باعتبارها تقدم نفسها كفاعل اقتصادي وليس سياسي، حيث يتبين أن الصين عملت على تحقيق التبعية البنيوية المالية، مع تركيزها على العامل الثقافي.

أما مداخلة الأستاذ عبد الرزاق اليياز فقد تمحورت حول موقف الجمهورية الفرنسية من الصحراء المغربية، بعد الخطاب الملكي السامي خلال ثورة الملك والشعب في غشت 2022، واعتبار القضية الوطنية هي المحدد والمعيار الذي على أساسه سيتم تحديد من هم أصدقاء المغرب، بسبب الموقف الضبابي لفرنسا ومطالبة المغرب لها بتوضيح موقفها رغم الدعم الذي تقدمه للقضية الوطنية في مجلس الأمن. لكن المغرب أراد وضوحا في الموقف الفرنسي. ويقوم المغرب اليوم باعتماد استراتيجية مترابطة بين السياسي والاقتصادي والثقافي، وبالتالي محاولة الضغط على فرنسا من خلال سحب مجموعة من المشاريع من الشركات الفرنسية، وكذا العمل على الثقافة الإنجليزية المزاحمة للثقافة الفرنسية.. هذا الشد والجذب بين المغرب وفرنسا هو من أجل كسب رهان القضية الوطنية وإيجاد حل سياسي نهائي لها.

من جهته، تساءل محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة شعيب الدكالي، في مداخلته حول “العلاقات المغربية الروسية وقضية الصحراء.. محاولة لفهم الموقف الروسي في ظل المتغيرات الدولية”، عن كيفية توصيف العلاقة بين روسيا والمغرب في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، هل هي علاقة صداقة أم تحالف ظرفي لا يرقى إلى تحالف مؤسساتي واستراتيجي؟.

وذكّر الزهراوي بأن العلاقات الدولية تحكمها المصالح، مركزا على نظرة الفاعل الرسمي بالمغرب إلى روسيا والأسباب التي دفعته إلى التوجه إليها، مشيرا إلى الخلفيات والأسباب التي دفعت إلى التقارب مع روسيا، رغم مواقفها المتذبذبة تجاه ملف الصحراء، ومحاولة تغيير العقيدة الدبلوماسية المغربية التي تحكمها ثوابت ومحددات، تقوم بالأساس على البراغماتية، العقلانية والمصلحة، مع تركيزها على تنويع الشركاء. وفي هذا الإطار أوضح الزهراوي أنه منذ الحرب الباردة كان المغرب يتخندق في المعسكر الغربي، ولم يكن في المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي. لكن بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، كان هناك تحول مهم في العلاقات المغربية الروسية، سيما في ظل غموض الموقف الروسي من قضية الوحدة الترابية، بالإضافة إلى توتر العلاقات المغربية الأمريكية، خاصة بعد الضغوطات التي مارستها أمريكا على المغرب لإرجاع المكون المدني للمينورسو بعد أن طردته المملكة في سياق الأزمة مع بان كي مون.

ولفت المتدخل الانتباه إلى أنه بالرغم من أن روسيا حليف قوي واستراتيجي للجزائر، فإن المغرب سعى إلى تطوير علاقاته الاقتصادية معها، وهو ما يمكن اعتباره توجها استراتيجيا، راهن من خلاله المغرب على الجانب الاقتصادي لاختراق الموقف الروسي الذي ما زال غامضا.

أما فيما يخص العلاقات المغربية الروسية في ظل التحولات الراهنة، فأشار الباحث إلى محدد مهم هو محدودية دبلوماسية القمة، وأكد على شح الزيارات المتبادلة بين الطرفين، والتي لم تتجاوز ثلاثة لقاءات منذ اعتلاء الملك العرش: سنوات 2016، 2006، 2002. وخلص في الأخير إلى أن المغرب حاول اختراق الموقف الروسي من البوابة الاقتصادية، لكن ذلك كان يصطدم دائما بالعلاقات المغربية الأمريكية، التي تفرمل تطوير العلاقات الروسية المغربية، بالإضافة كذلك إلى أن الجزائر تعتبر حليفا قويا واستراتيجيا لروسيا، وأول زبون عسكري لها.

من جانبه، أكد عبد الغني السرار، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، في مداخلته الموسومة بـ “أي دور للدبلوماسية البرلمانية في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية في ظل المتغيرات الدولية؟”، على المحددات الدستورية والقانونية للتدخل البرلماني في مجال السياسة الخارجية بصفة عامة والدبلوماسية بصفة خاصة، واعتبر أن الفعل الدبلوماسي يكتسي أهمية قصوى في ظل التحديات المطروحة دوليا، مما أصبح معه لزاما على الدبلوماسية الرسمية أن تنفتح على فاعلين جدد قصد دعمها ومواكبة أدائها في المحافل الدولية خدمة للقضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

من هنا، أبرز المتدخل أن الدبلوماسية البرلمانية بإمكانها بذل مجهودات إلى جانب وزارة الخارجية لتحصين المكاسب وحشد مزيد من التأييد لمصالح البلاد خارجيا، مطالبا الدبلوماسية البرلمانية بتجاوز الخلافات السياسية والأيديولوجية الضيقة، التي تخيم في حالات كثيرة على علاقة المعارضة بالأغلبية، لأن القضايا الوطنية تستدعي تأسيس كتلة أو جبهة برلمانية موحدة لتفنيد المغالطات التي يروجها خصوم المغرب دوليا وإقليميا لأن الفاعل الرسمي في السياسة الخارجية المتمثلة في وزارة الخارجية لا يمكنه ملء جميع المساحات في الفضاء الدولي.

وبالنسبة إلى المحددات الدستورية والقانونية لتدخل البرلمان في السياسة الخارجية وخدمة الوحدة الترابية، أوضح المتدخل أن الفصل 10 من دستور 2011 نص على المشاركة الفعالة للمعارضة البرلمانية في مجال السياسة الخارجية، والفصل 68 من الدستور على صلاحيات عقد البرلمان بمجلسيه جلسات استماع إلى رؤساء للدول، وهو مقتضى دستوري يساعد البرلمان في الترويج للطرح المغربي بشأن قضية الصحراء المغربية. أما الشق القانوني، يضيف السرار، فيتمثل في القانون الداخلي لمجلس النواب على سبيل المثال من خلال اللجان البرلمانية الدائمة، مشددا على ضرورة إنشاء لجنة برلمانية خاصة بالدفاع عن ملف الوحدة الترابية للمملكة على المستوى الدولي، تشتغل إلى جانب لجان الصداقة البرلمانية المغربية مع برلمانات عربية وأوربية وآسيوية، وبتنسيق مع الفاعل الرسمي.

أما فيما يخص الإكراهات والتحديات التي تواجه الدبلوماسية البرلمانية، فيأتي في مقدمتها ضعف تكوين البرلمانيين، الذين لا تؤهلهم بروفايلاتهم للترافع عن قضية الصحراء المغربية، فضلا عن نقص في المعطيات والمعلومات المتعلقة بملف الصحراء المغربية ناتج عن احتكاره من قبل الفاعل الحكومي الرسمي حاليا، فضلا عن غياب أي مبادرة من طرف المعارضة البرلمانية، التي خصها دستور 2011 بمجال واسع لخدمة قضية الصحراء المغربية. ولتجاوز هذه التحديات طالب الباحث باستثمار إحداث الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية في تكوين النخب البرلمانية وتأهيلها للترافع عن ملف الوحدة الترابية للمملكة عربيا وإقليميا ودوليا.

أما الحسن أشهبار، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة شعيب الدكالي، فقد اعتبر في مداخلته الموسومة بـ”الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في إفريقيا جنوب الصحراء.. مدخل لكسب رهان الوحدة الترابية للمملكة” أن تيار العولمة كانت له عدة نتائج على طبيعة العلاقات الدولية والمتغيرات المتحكمة فيها، وأن القوة السياسية لم تعد كافية للتحكم في النظام العالمي، إذ أصبح الاقتصاد هو الذي يتحكم فيه. ووعيا منه بأهمية الجانب الاقتصادي والانتماء الجغرافي لإفريقيا وما تمثله من عمق استراتيجي، يعد المغرب أول مستثمر بغرب إفريقيا، وثاني مستثمر إفريقي بإفريقيا، وذلك راجع إلى الاتفاقيات التي أبرمت مع الدول الإفريقية بفضل الزيارات التي قام بها الملك لهذه الدول، والتي تخطت 52 زيارة أو ما يمكن أن يطلق عليها دبلوماسية العقود.

هنا طرح أشهبار سؤالا مهما حول كيفية توظيف الدبلوماسية الاقتصادية لخدمة قضية الوحدة الترابية. فالاقتصاد عبارة عن مجموعة من المصالح المتبادلة فيما بين الدول، حيث أدى الحضور الاقتصادي المغربي في إفريقيا إلى نسج علاقات مصلحية مع العديد من الدول، وهو ما خلق لوبيات اقتصادية وسياسية بهذه الدول، الأمر الذي أهل المغرب لممارسة نوع من النفوذ مكنه من ضمان تغير في المواقف الإفريقية عكس ما ساد في فترة الملك الحسن الثاني، حيث كانت مواقف الكثير من الدول الإفريقية تحميها العلاقات الشخصية، التي كانت تتغير بمجرد وصول المعارضة إلى الحكم بالدول الإفريقية، لكن الآن أصبحت مواقف دول، وهو ما يضمن استمرار المواقف رغم تغيير الحكام. ومن نتائج نجاحات الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية نجد أن عددا كبيرا من الدول افتتحت قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية، وهناك عدد كبير من الدول سحبت اعترافها بالكيان المزعوم، كما أن بعض الدول المعادية للمغرب أصبحت مواقفها أكثر رزانة.

وفي الختام أوضح أشهبار أن الدبلوماسية التي انتهجها المغرب تجاه دول إفريقيا جنوب الصحراء تندرج ضمن استراتيجية واضحة المعالم، تم تفكيكها إلى تكتيكات معقلنة تحاول الدفاع عن قضية الصحراء وفق منظور آني أو متوسط أو بعيد المدى.

وقد اختتمت أشغال الندوة العلمية بكلمة شكر من طرف مسير الندوة الأستاذ صالح ولفرسي ومنسق أشغالها الدكتور محمد الزهراوي للحاضرين والمشاركين في إنجاز وتنظيم هاته الندوة العلمية. وفي الختام دعا الأساتذة الحضور إلى اختتام الندوة بإلقاء النشيد الوطني تعزيزا لروح المواطنة، وتأكيدا لأهمية قضية الوحدة الترابية.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *