اخبار المغرب

تأويل “مشعل” الجهادي للمغاربة!

لن يزايد أحد على المغاربة في قناعتهم الحضارية الراسخة بإيمانهم بحقوق الأفراد والأمم التي يخوّلها لهم الواقع وقوانين السماء والأرض، وفي مناصرة شعوب الأرض مطلق الأرض بغض النظر عن معتقدها وتمذهبها، وقد حصل هذا بالفعل مع شعوب الشرق والغرب والشمال والجنوب على السواء؛ حيث ضحى المغاربة بكل شيء حتى بالأرواح نصرة لقضايا تلك الشعوب والأمم.

كلنا مؤمنون بمظلومية أشقائنا الفلسطينين في احتلال أرضهم وفي انتهاج إبادتهم بكل السبل عبر مراحل منذ ثلاثة أرباع قرن مضت، كما هي المجزرة العالمية المرتكَبَة الآن في حق المدنيين العزّل والعالَم يتفرّج.

ولا أدلَّ على هذا من سريان دم الغيرة الأخوية الفلسطينية في عروقنا منذ القديم وقبل نشوء فصائل مقاومة مجاهدة، على رغم طعننا في صحرائنا ووحدة تراب مملكتنا المغربية من طرف مناضلين متعددين يخدمون بالقضية الفلسطينية أجندة الشرق ضد الغرب مع الأسف، بل وعلى رغم ما ذقناه من خيانة مسؤولين كبار لجيشنا المغوار الذي انتقل للمشرق دفاعا عن الأراضي المقدسة هناك.

نحن مؤمنون ومتيقنون أن من يَقضي نحبَه بترسانة المستعمر العسكرية هو شهيد، ونثق تمام الثقة في أمارات النورانية ورائحة المسك الزكية المنبعثة من جسده بعد قتله. ولا يتنافى هذا مع تحليلنا لقضية توظيف الجهاد والنزاعات المسلحة مذهبيا ووصوليا وسياسويا؛ مثال هذا ما تَنازَع فيه العملاقان الشرق والغرب على أرض أفغانستان التي تزخر أراضيها بكنوز تُسيل اللعاب، لتنتهي اللعبة بتشتيت الاتحاد السوفياتي والتمكن من خيرات باطن الأرض، ومع كل هذا فمن قضى نحبَه من الشعب الأفغاني قضى شهيدا؛ إذ كُلُّنا نُبعَث على نيّاتنا.

أضيف إلى هذا انبهار العالم اليوم من متخصصين عسكريين وغير متخصصين للأداء القتالي لفئة قليلة مقاومة هي صاحبة أرض بفلسطين أمام مستعمر يملك من القوة العسكرية ما لا يُضاهَى.

وموازاة بكل هذا فنحن المغاربة متفطنون لازدواجية معايير القانون الدولي تجاه حقوق الإنسان في عالمنا اليوم؛ ومن الضروري إعادة القراءة والتحليل لبنوده التي يجد البسطاء والضعفاء والمسحوقون أنفسهم حيالها مهضومي تلك الحقوق المُسطَّرَة فيها؛ لِيَحُلَّ مَحلَّها البيع والشراء والاستثمار والتسويق في أخس دركاتها وأحط مستوياتها، لدرجة لبسها لبوس الدفاع عن الحق من جهة ولبوس الدين من جهة أخرى. فخطاب المظلمومية واستنهاض النفوس والهِمم يستند أصالة إلى الخطاب الديني ونصوص القرآن والسنة.

ومقالي “تأويل خالد مشعل الجهادي للمغاربة” هذا يأتي بعدما سمعت تسجيلا لكلمة السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي بالخارج لحركة المقاومة الإسلامية حماس ألقاها عن بُعد، بثتها حركة التوحيد والإصلاح في مهرجان خطابي نظمته يوم الأحد 19 نونبر 2023 بمقرها بالرباط.

ونحن المغاربة إذ لا نفرق في احترامنا ومساندتنا وتضحيتنا بين بنات وأبناء فلسطين الشقيقة، نُذَكّر بكلمة الشكر التي خصَّصها السيد إسماعيل هنية لصاحب الجلالة ملكنا محمد السادس حفه الله برعايته على مختلِف المعونات المغربية التي أشرف بنفسه على إرسالها لغزة الجريحة.

وأنا إذ أتوجه للسيد خالد مشعل بهذا المقال لأنني مِن ضمن مَن خاطبهم بقوله “يا أهل المغرب”، أكنّ كل الاحترام والتقدير إنسانيا لكل مستضعف يناضل ويجاهد من أجل حقوقه في بقاع المعمور. وأروم من مقالي هذا تجلية أوجه التأويل الذي تضمنه خطابُه التحفيزي لأهل المغرب، مستكنها بعض الخبايا المسكوت أو المغفول عنها جهلا أو عمدا سواء فيما ذكر من نصوص دينية، أو في ما هو موجود من معتقدات يُتَعَمَّدُ عدم الصّدع بها، وهي توجّه سلوك العلاقات الجهادية الدولية.

ومنهجي في التحليل منهجان:

منهج النظر التجزيئي/التفصيلي للأحداث حيث يتعاطف الكُلُّ مع كل حَدَث/جزئية يذيق فيه الصهاينةُ الفلسطينيين المدنيين مختلِف ألوان الإرهاب والقهر والتقتيل والهدم والتهجير والتجويع، ولو اقتصرنا فقط على مَثَل الصواريخ التي تزن الأطنان يُسقِطها الصهاينة على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ لكفى هذا عارا ومَدعاةَ بُغْضٍ للصهاينة لدى أتباعهم قبل خصومهم وأعدائهم، ولدى غير المسلمين قبل المسلمين.

ومنهج النظر الكُلّي/الإجمالي حيث يخفى عن كثيرين وحتى المتخصصين كواليس ما يحرك التفاعل مع القضية الفلسطينية إيجابا وسلبا.

مما ورد في كلمة خالد مشعل التوجيهية قوله:

“فأريدكم يا أهل المغرب ولكم في الأقصى وفي القدس حي المغاربة، فلكم حي ولكم موقع ولكم تاريخ وإرث، نريد منكم المزيد …..، والضغط على الحكومات حتى تقف مع شعبنا ….. بعيدا عن العلاقات السياسية وعن التطبيع (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)، والصهاينة أعداؤنا بمنطق القرآن ….. فلا مصالحة معهم ولا علاقات ولا تطبيع ونصرة المؤمنين لبعضهم البعض حق (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض) هذه الموالاة الحقيقية ….. التاريخ سيسجل من شارك في معركة الشرف ومن تنكّب عن صراطها ومن وقف على الحياد ومن وقف مع الأعداء ومن طعن ظهر أهلنا.

يا أهل المغرب الأعزاء يا شباب المغرب، الشباب عُدة المستقبل وقدراتكم العظيمة مطلوبة في هذه المعركة خاصة في المنصات الرقمية … (ولَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُره، إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ) ….. (إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوّان كفور، أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنَّهم ظُلِموا وإن الله على نَصرهم لقدير)….. أما البِشارة الثانية للنبي عليه الصلاة والسلام عندما تكلم عن رباط عسقلان قال: وخيرُ الرباطِ رباطُ عَسقلان. وهي بجوار غزة، أي رباط غزة؛ لأنه يقرأ من صفحات الغيب التي أطلعه الله عليها….. شدو حيلكم يا شباب المغرب وشابات المغرب”.

وهذا أثار فيَّ مجموعة ملاحظات/تساؤلات هي التالي:

خطابك لعموم المغاربة قاطبة فيه ما فيه، خصوصا وأنت رئيس المكتب السياسي بالخارج وتضبط مصطلحات الخطاب السياسي الدولي؛ والذي دعاك لمهرجانه فصيل جماعة انتماء واحد من بين مُختلِف الانتماءات المغربية، وليس جميع المغاربة.

خطابك لعموم المغاربة بسبب دعوة انتماء واحد رخّصت السلطات له تنظيم نشاطه ذاك، فلو لم يكن لديه رخصة لما دعاك.

كيف ينسجم لديك هذا الخطاب وتَعَمُّدَ إهمالِك المسؤول عن خدمة المغاربة وتسييرهم وهو ملكهم الرئيس الفعلي للحكومة التي ترخّص للتظاهرات؟

أليس في تَعَمُّدِ إهمالك في “أهل المغرب” ملكهم الذي هو رئيس لجنة القدس دلالة واضحة على تبييت التفريق بين المغاربة وقيادتهم؟ فيتحول صنيعك هنا السياسي إلى سياسوية مغرضة؟

ألا تُدرك أهمية لجنة القدس على الأقل في حفظ الأصول الفلسطينية محضن دوام عيش الشعب، هذه الأصول/الأراضي بسَكَنِها التي سَوّاها القرآن بالحياة، وسوّى عدم توافرها بقتل النفس في قوله جل في علاه: (أن اقْتُلوا أنفسَكم أو اخْرُجوا من دياركُم) [النساء: 66]؟

توجيهك يا خالد لأهل المغرب بقولك: “بعيدا عن العلاقات السياسية وعن التطبيع (إنَّ الشّيطانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذوهُ عَدُوّا)، والصهاينة أعداؤنا بمنطق القرآن ….. فلا مصالحة معهم ولا علاقات ولا تطبيع، ونصرة المؤمنين لبعضهم البعض حق (والَّذينَ كَفَروا بَعضُهُم أولِياءُ بَعضٍ، إلّا تَفعَلوهُ تَكنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفَسادٌ كبيرٌ، والمومنونَ والمومناتُ بَعضُهُم أولياءُ بَعضٍ) هذه الموالاة الحقيقية ….. التاريخ سيسجل من شارك في معركة الشرف ومن تنكّب عن صراطها ومن وقف على الحياد ومن وقف مع الأعداء ومن طعن ظهر أهلنا”:

أليس فيه تغييبٌ مُتعمَّدٌ لواقع تجارب الحياة العملية؟ فلا يمكنك فهم القرآن وتنزيل معانيه على الأرض إلا باستحضار السياق المقصود من تنزيل القرآن فيه، ولهذا ضوابط يطول تفصيلها…، وهذا من الأسباب الرئيسة للسقوط في التطرف والعصبية والمغالاة والإرهاب والتناقض، ولعل هذه الغفلة عن استحضار الواقع صعب جدا باعتبار أن حركة حماس حديثة النشأة مُوازَنةً لها بقدم امبراطوريتنا المغربية.

أليس في اقتصارك على بعض الآيات قفزٌ متعمَّدٌ على ماضي مَن خَذَلوا جيوشَنا في النصف الثاني من القرن الماضي، والمخاذلون ممن يناصرونكم الآن من جيرانكم؟ بل مضى بعضهم في سياسة اغتيالات لبعض قياديينا المغاربة لم ينجح في تنفيدها؟

لِمَ تُقَطّع الموالاة المذكورة في القرآن تقطيعا وتنتقي تنزيلها انتقاء؟

ألا تفهم الموالاة أيضا في عدم تقطيع صحرائنا الجنوبية من مملكتنا المغربية؟

ألا يدل “حيادكم” الظاهر لنا في شأن صحرائنا تَوَلِّياً يوم زحف الموالاة القرآنية، ونحن لا نعلم ما تُسِرّون؟

أليس من العيب البيّن والعار المخزي والذلة المُهينة أن تناصر دولةٌ إسلامية كبيرة حفنةَ بوليساريو من مُخلَّفات الاستعمار الغاشم ببلدنا ليقيموا على أنقاض جزء من صحرائنا دويلة شيوعية ملحدة؟

أين الموالاة هنا التي تستدل عليها من كتاب الله جل في علاه؟

بل أين دعوتكم الإسلامية تجاه غض الطرف عمن لا يَدينُ بِدِينٍ، ودولتنا تتمركز في ثوابتها على إمارة المؤمنين؟ بل تساعد تلك الدولة حفنة البوليساريو بما ظهر وخفي من معونات؟

لِمَ تَكيل بمكياليْن في شأن الموالاة لمّا ترتمون في أحضان دول تأتمر بجميع أوامر مَن تُسَمّونهم أعداء وهم في مركز الوساطات بينكم، بل هم مَن يضمنون اتفاقياتكم ومعاهداتكم؟

أليس ممن يحضن علاقاتكم السياسية ويَحمي قياداتِكم يقيم في إحدى قواعد أمريكا العسكرية بها أحدَ عشرَ ألف جندي أمريكي منذ سنة 2011، مع ما يصحب هذا من انطلاق طائرات منها واستخبارات وما إلى هذا؟ لقد فاحت رائحة تناقضاتكم لدى الأجانب قبل المسلمين والعرب.

وعلى فرض أنه لا يوجد لكل دولة مصالحها وأولوياتها وتنوّع جنسيات شعبها ورعاياها لحفظ كيانها من مخططات التقسيم والاحتلال، أليس في أحكامنا الدينية أحكام المُكرَه؟ إذ تختلف الأحكام من حالة القوة إلى حالة الضعف التي خطط لها الاستعمار في جميع بقاع الأرض منذ القديم…؟

ألم تطلع على ترخيص الله لعباده في محكم كتابه حالات الاستثناء؟ على أنّ مَن يُرغِم غيره على العزائم فقط دونما اعتبار للرخص، إنّما هو جاهل جهلا مركّبا ومعاند عنادا سياسويا مغرضا.

ألم تطّلع على أن بلدنا المغرب كان سبّاقا لقطع الطريق على تمكّن دولة سرطانية من جزء من مغربنا قديما في القرن الثاني الهجري، تمثلت في الدولة البرغواطية التي انقلبت على دين الإسلام بدين خليط بين المجوسية واليهودية، قضت عليها امبراطوريتنا المغربية في عهد المرابطين، وحديثا في إلقاء القبض على عصابة يترأسها يهودي يزوّر الجنسية المغربية للوافدين من اليهود على المغرب؟ وهذا غيض من فيض.

لِمَ يا خالد تكيل بمكيالين في قضية الموالاة: حيث تَبذُل قصارى جهدك في محاصرة بلدنا المغرب والتنقيص منه وتأليب شبابه عليه؛ ومغربنا لا يلاحق مجاهديكم لحماية أمن إسرائيل، في حين تقول في أواخر حواراتك لبرنامج “بلا حدود” على فضائية الجزيرة بالحرف: “أرجو أن هذه المحطة المؤلمة أن تكون لحظة يقظة عند الناس في السلطة الفلسطينية”، وهذا فيما ما يتعلق ببنود اتفاقات أوسلو التي تُرغم سلطة الرئيس عباس على “ملاحقة المجاهدين وحماية أمن إسرائيل” على حد تعبيرك؟ وموضوع حوارك كان بشأن اعتقال السلطة الفلسطينية للمجاهد أبو هنّود ومحاكمته.

لِمَ تَكيل بمكيالين لمّا تجوّز لأنفسكم إكراه التعامل مع مَن يمكّن لعدوكم بما يُبيدكم وأنتم تجاملونه/تنافقونه بلطيف العبارات وجميلها، ولا تجوّزه لمملكتنا المغربية التي لا يد لها لا في احتلالكم ولا تمكّن عدوكم من إبادتكم وأنتم تنتقون في خطاباتكم من عبارت التنقيص والتشويه والتحريض المغرض وتأويل النصوص الدينية ما يفهمه الجاهلون قبل المتعلمين؟

هل ما وجّهتَ ونَصحتَ به “أهل المغرب” من قولك: “بعيدا عن العلاقات السياسية وعن التطبيع” هل أنت مبتعد فعلا عما نهيتَنا عنه؟؟؟ أنصحك أن تَحذَرَ من قول مَن يَعلم السّرّ وأخفى: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أن تَقولوا ما لا تَفعَلونَ) [الصف: 3].

واللهِ إن أي عاقل يحار أين يصنّف تلوّنك هذا وتحيّزك وتناقضك وارتباكك وعدم ثباتك وإخلاصك لتأويلك للنصوص الدينية التي تعيّر بها دولتنا المغربية ثم تختار ألطف الأوصاف والعبارات لمن يسجن ويحاكم مجاهديكم من إخوانكم وبني جلدتكم؛ إن هذا لشيء عُجاب.

إليك يا خالد ما تُخفونَه أراه مُتعَمَّداً يفضح إسلامويتكم في أمر هو من صميم العقيدة والتوحيد:

أذكّر أوّلا بمعتقد أهل السنة الذي تنتسب إليه، الوارد مثلا في مقدمة ابن خلدون وتاريخه، الفصل السادس في المساجد والبيوت العظيمة في العالم، ممثَّلا في فتح عمر بن الخطاب لبيت المقدس وإعادة بنائه بطريقة مبسطة “على طريق البداوة”، واحتفال “الوليد بن عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام بما شاء الله من الاحتفال، كما فعل في المسجد الحرام وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي مسجد دمشق، وكانت العرب تسميه بلاط الوليد”، ونص ابن خلدون أيضا على أن “المساجد الثلاثة هي أفضل بقاع الأرض حسبما ثبت فى الصحيحين، وهي مكة والمدينة وبيت المقدس”؛ من هذا أطرح تساؤلاتي التالية:

هل ما نجده في تراث أهل السنة من التنصيص على قدسية المسجد الأقصى يوجد مِثلُه في تراث إخوتنا الشيعة؟

أليس ما نقرأه من مراجع إخوتنا الشيعة بشأن أن المسجد الأقصى غير موجود في الأرض، بل هو في السماء، هل هذا موجود عندهم صحيح؟ من مثل قول الملّا محمد محسن بن مرتضى الفيض الكاشاني (1007 1091هـ) في بداية تفسيره لسورة الإسراء في كتابه التفسير الصافي: “(سُبحانَ الّذي أَسْرى بِعَبْدِه لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرام إلى المَسجِدِ الأقْصى الّذي بارَكْنا حَوْلَه) أي إلى ملكوت المسجد الأقصى الذي هو في السماء كما يظهر من الأخبار الآتية…، القمي [أي في تفسيره، وهو علي بن إبراهيم القمي، القرن الثالث] عن الباقر عليه السلام [محمد الباقر، هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام الخامس للشيعة (57 114هـ)] أنه كان جالسا في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة، ثم قال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وكرر ذلك ثلاث مرات، ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال: أي شيء يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قال: يقولون: أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس. فقال: ليس كما يقولون ولكنه أسري به من هذه إلى هذه، وأشار بيده إلى السماء وقال: ما بينهما حَرَم.

والعياشي [اي في تفسيره، وهو المحدّث أبو النضر محمد بن مسعود السلمي السمرقندي العياشي (ت 320هـ)] عن الصادق عليه السلام [هو جعفر بن محمد، الإمام السادس للشيعة (83 184هـ)] أنه سئل عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قيل: والمسجد الأقصى؟ فقال: ذاك في السماء إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقيل: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه”، وقد تواترت روايات المذهب الشيعي مِن قَبْلِ الفيض الكاشاني ومِن بَعدِه.

ونحن إذ نذكّر بمذهب الشيعة وقناعتهم بعدم وجود مسجد أقصى على الأرض، نخالفهم محترمين رأيهم وتأويلهم واجتهادهم.

أليس تأويل إخوتنا الشيعة هذا له شديد الصلة بما يُنكرونه على الصحابي الفاروق عمر بن الخطاب، بل يصل الأمر ببعضهم إلى لعنه وسبّه، وهو رضي الله عنه ممن أعاد بناء المسجد الأقصى كما سبق عند ابن خلدون قبل قليل؟ ونفس الأمر بالنسبة للوليد بن عبد الملك؟

أليس من السذاجة بمكان أن تُوهِمَ يا خالد عموم المسلمين في العالم أن من يحضنون جهادكم بالمال والسلاح والتخطيط والاستخبار العالمي، إنما هم مُقدِّسون وغيورون ومدافعون عن أماكننا المقدسة بفلسطين المظلومة؟

وعليك أن تعلم يا خالد أننا نحترم الاختلاف في الرأي مع الشيعة وغيرهم حتى الملاحدة؛ إذ نشترك وإياهم على الأقل في الإنسانية، وما كنت لأثير عدم اعتقاد إخوتنا الشيعة لوجود المسجد الأقصى في الأرض واعتقادهم وجوده في السماء فقط، لو لم تأت بوابل من التأويلات البعيدة المغرضة وتتستّر على حقائق معتقدات من تعيّر بهم غيرك من المسلمين في العالم.

وأخيرا وليس آخرا:

هل سترفضون يوما ما لا قدّر الله تدريب حفنة البوليساريو على حرب الأنفاق إن أمركم بها من يحضن جهادكم؟

متى ستلتزم بعقيدة الولاء والبَراء كاملة نقية طاهرة في جميع بقاع الأرض ولدى جميع المسلمين القريبين منكم والبعيدين؟

وبما أن رئاستك للمكتب السياسي بالخارج يخوّل لك فرص التنسيق وربط علاقات وحوارات واستقطابات واتفاقات ووو، متى ستسعى سياسيا وعمليا في تقريب الهوة بين الشيعة والسنة الذين حُشِروا عبر قرون في مخلَّفات صراعات وتبييتات قديمة، الغالبية العظمى من الشيعة والسنة لا يد لهم فيها من قريب أو بعيد، أقل ما يمكن القول فيها: “وَحَمَلتُ الصخرَ والحديدَ، فلَم أَجِدْ أثقلَ من تُهمة البريء”؟

بل قبل كل ذاك متى ستسعى في رأب صدع الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم لجمع كلمتهم وتنسيق جهود الجهاد بينهم؟ حتى تخفِّف من نيل بعضكم من بعض، وأنت المتخصص في العلاقات السياسية؟

هذا بطبيعة الحال إن كانت لرئاستك القوة الضاربة والاستقلالية في التخطيط والتنزيل.

ومع كل هذا فأنا متفائل على الدوام بوقت يأتي ننفض عنا فيه غبار العصبية والعنترية الواهمة المتوهمة لننسق جهودنا ونتجاوز تلاعب كلا الاستعمارين بألعوبة شيعة/سنة، ولو أن تجاوز هذا صعب للغاية لوجود من يقتات مرتزقا بهذه الألعوبة من أبناء جلدتنا يمكّنون بارتزاقهم غيرَنا علينا.

(*) أستاذ التعليم العالي جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس المملكة المغربية

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *