اخبار المغرب

حداثيون يُطالبون بإلغاء التّعصيب في الإرث وسط دعوات بـ”تحصين أحكام الله”

أعاد مجموعة من الحداثيين المغاربة إثارة موضوع التّعصيب كـ”مشكلة حقيقيّة”، بحسبهم، لصيقة بنظام الإرث الإسلامي، الذي يحتاج إلى تعديل شامل حماية لحقوق البنات والأبناء الذين كانت “أموالهم الموروثة” تذهب لصالح الأعمام وفق نظام العصبة الذي كان اجتهادا فقهيا تواصل العمل به، رغم أن الباحث عبد الوهاب الرفيقي وقف على “وجود عدد من المذاهب الإسلامية التي لا تؤمن بهذا المبدأ في توزيع التركات”.

ولأن “الاجتهاد في هذا الباب يعدّ ميسراً وليس فيه أي إشكال ولا معارضة لأيّ نص قرآني قطعي الدلالة والثبوت”، حسب الذين أثاروا النقاش فيسبوكيّا، فإن هؤلاء المدافعين عن “المساواة في الإرث” وجدوا سياق رفع مقترحات مدونة الأسرة إلى الملك محمد السادس ضروريّا لإثارة هذه النقطة “وقفا للجور” وتماشيّا مع التطور الذي يعرفه شكل الأسرة، رغم أن جهات أخرى “اعتبرت التعصيب حكم الله الذي لا يقبل التغيير ولا التبديل، ولا النقاش ولا التعليل”.

“نظام جائر”

عبد الوهاب رفيقي، باحث في الفكر الإسلامي، دعا بشكل صريح إلى التخلي فعليا ونهائيا عن “نظام جائر يسمى التعصيب”، مستحضرا ارتباطه تاريخيّا بـ”النظام القبلي والعشائري الذي كان في ذلك الوقت، والذي كان يمنح كل العصبة نصيبا من التركة. وهو أمر منطقي بحكم أن هؤلاء العصبة كانوا يتحملون مسؤوليات داخل الأسرة وداخل القبيلة من حيث العناية ببنات وأبناء أخيهم المتوفي، وكانوا يتحملون كل الصّوائر المتصلة بالعائلة”.

ولفت رفيقي، ضمن إيضاحات قدمها لهسبريس، إلى أن “هذه الحقيقة التاريخية لم تعد واقعا معاشاً اليوم، بعد الانتقال من الأسرة القبلية العشائرية الممتدة إلى الأسرة النووية، بحيث أعفي هؤلاء الأعمام من كل المسؤوليات التي كانت عليهم”، وبالتالي “من غير المنطقي أن يستحقوا شيئا من التركة بدون أي مسؤولية مترتبة عليهم في الوقت الحالي الذي صارت المرأة فيه فاعلا في سوق الشغل، كما لا يوجد أيّ نص قرآني صريح يتحدث عن التعصيب”، بتعبيره.

وتابع الباحث عينه قائلا: “كان الوضع في السابق مقبولا، لأنه كما يقول الفقهاء [الغُنْم بالغُرْم]”، مؤكداً أن “التعصيب من ناحية أخرى كان مرتبطاً بمبدأ حماية المال داخل القبيلة وعدم خروجه إلى قبيلة أخرى. ولذلك، إذا لاحظنا، فإن كل من له علاقة بالميت من جهة الأم لا يرث نهائيا في هذا النظام، لأنه برأيهم سيتسبب في نقل المال إلى قبيلة أخرى”، وزاد: “هذا المنطق كله يمكن فهمه في سياق تاريخي، ولكن لا يمكن فهمه في السياق الذي نعيشه اليوم في إطار الدولة الوطنية”.

وذكر المتحدث “حالات كثيرة بالمغرب لبنات الهالك اللواتي تعرضن للتشرد والطرد والإخراج من مسكن والدهم نتيجة هذا النظام بشكل حصري”، مشيراً أيضاً إلى “الدور الذي صارت البنات يلعبنه، أو الزوجة، في تأسيس ذلك البيت أو اقتنائه”، وقال: “هذا الحيف جعلنا نرى اليوم عددا كبيرا من الآباء الذين رزقوا بالبنات فقط يلجؤون إلى عدد من الحلول البديلة خوفاً من أن يشارك إخوتُهم بناتَهم في تركتهم بعد وفاتهم”.

“حكم الله”

سعيد العريض، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، التي تعتبر قضايا الإرث “خطا أحمر غير قابل للنقاش ولا التبديل”، قال إن “الهجوم على التعصيب برعت فيه جهات ترى فيه ظلما للمرأة”، وهذا “جهل بالفلسفة العامة للتشريع الإسلامي ومقاصده الربانية في توزيع التركة بالعدل والمساواة. فالإرث بالتعصيب لا يتم إلا إذا توفرت أركان معينة وتحققت شروط مع انتفاء الموانع، مما يعني أنه أحيط بفلسفة سماوية مبنية على العدل ومراعاة الفطرة الإنسانية، والمنافع ودفع المضار عن الناس، والنظر إلى التكاليف المنوطة بالإنسان داخل نظام الأسرة”.

وأكد العريض، في تصريحه لهسبريس، أن “التعصيب طريق من طرق الإرث المقررة في الشرع بنصوص قطعية، لا تقبل النقض ولا المناقشة، ولا تتحمل الجدال والتفاوض، ولا مدخل فيها للاجتهاد والنظر، فالنصوص المبينة للتعصيب قطعية الثبوت والدلالة، لا تحتمل أكثر من فهم وبيان”، موضحا أن “النص القرآني المبين لطرق الإرث كلها وأنصبة الورثة، نص قطعي الثبوت لأنه وصلنا عن طريق التواتر جيلا عن جيل”.

وأشار رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية إلى “الأحاديث المبينة لكثير من أحكام الإرث الثابتة ثبوتا قويا”، وقال إن “الأنصبة مفسرة، مبينة وواضحة، بحيث لا تقبل التأويل ولا التخمين”، وإن “المساس بأحكام التعصيب هدم تام لنظام المواريث في الإسلام، إذ كيف تقوم له قائمة بعد ضرب ركن ركين منه، وبعد هدم ركيزة أساس من ركائزه، فأي نظام للإرث يبقى بعد القضاء على التعصيب والتطاول على قاعدة المفاضلة بين الإخوة المقررة شرعا؟”.

وختم العريض بما عدّه “تكاملاً وانسجاما تامّين في نظام الإرث في الإسلام، وأي إخلال بجزء منه يعد إخلالا بالبناء كله”، معتبرا “الدعوة إلى إلغاء التفاضل بين من فاضل الله بينهم في الإرث من جهة، وإلغاء التعصيب كلا من جهة ثانية، دعوة إلى تعطيل نظام الإرث في الإسلام واستبداله بنظام فوضوي آخر لا نعرف أسسه ولا مبادئه ولا قواعده، كما يعد ذلك بمثابة استبدال لشرع الله وأمره”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *